محمد سليمان العنقري
قبل أيام اصدرت وكالة الطاقة الدولية توقعات في غاية الأهمية والخطورة والتي أشارت فيها إلى بلوغ ذروة الطلب على الوقود الأحفوري قبل نهاية العقد الجاري والحقيقة هي ليست المرة الأولى التي يبشرون بها ببلوغ الطلب ذروته على الوقود الأحفوري هم فقط يغيرون التواريخ، وقد استدعت هذه التوقعات رداً من منظمة أوبك والتي وصفتها بأنها «محفوفة بالمخاطر وغير عملية ومدفوعة أيديولوجياً».وقد تضمن بيان المنظمة الذي نشر عبر موقعها الإلكتروني الخميس الماضي أن الحديث عن مثل هذه السيناريوهات يؤدي فقط إلى فشل نظام الطاقة العالمي «بشكل مذهل»، وسرعة الرد من أوبك تعكس إحساسها العالي بالمسؤولية اتجاه استدامة الطاقة وأمنها المهم للبشرية ومن واقع مليئ بالخبرة والمعرفة العملية باحتياجات السوق للطاقة.
فالرد جاء على لسان الأمين العام للمنظمة «هيثم الغيص» والذي أوضح بأن ما رمت له الوكالة سيؤدي إلى فوضى في مجال الطاقة على نطاق غير مسبوق، مع عواقب وخيمة على الاقتصادات وعلى مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم، فهذا الاستشعار بخطر هذه التوقعات التي حملت معها طلباً بضرورة خفض الاستثمارات في زيادة إنتاج النفط والغاز قرأته أوبك بأنه سيؤسس لنقص بالطاقة مستقبلاً وهو ما يعني ضرباً مباشراً للتنمية عالمياً وسيؤدي لإفقار دول وشعوب بسبب نقص الطاقة والذي يعني بالضرورة ارتفاع سعرها بشكل كبير جداً مما يعني أثراً سلبياً على الاقتصاد العالمي فقد ذكرت «أوبك» أن التوقعات السابقة بشأن بلوغ ذروة الطلب على الوقود الأحفوري لم تتحقق، لكن الفرق مع هذه التوقعات اليوم والذي يجعلها خطيرة للغاية، هو أنها مصحوبة في كثير من الأحيان بدعوات لوقف الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة، فمن الواضح أن الوكالة لم تتعظ من توقعاتها السابقة التي لم تصدق ولا مما أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية من إرباك لإمدادات الطاقة بأوروبا وكيف كشفت خلل مزيج الطاقة لدى الغرب الذي اندفع للطاقة المتجددة والنظيفة بوتيرة سريعة وبنسب تمثيل في مستهدفاتهم مبالغ فيها فحتى بريتش بتروليوم التي أصدرت تقريراً شهيراً عام 2020 ذكرت فيه أن ذروة النفط ستكون عام 2025 وأنهم سيتوقفون عن الاستثمار بالنفط والغاز لصالح الطاقات المتجددة تراجع رئيسها قبل أسابيع وقال في مؤتمر بالهند يجب أن يستثمر العالم بالنفط والغاز مجدداً خوفاً من ارتفاع كبير بالأسعار وذلك حتى نتمكن من الوصول لنسب عالية بالطاقات المتجددة فأين كانت هذه الرؤية الجديدة قبل تقريرهم منذ ثلاثة أعوام؟ فمن الواضح أن جل التقارير الغربية ومن الوكالة الدولية للطاقة تحديداً تعكس أهدافاً وغايات غير واقعية بما يخص الطلب على النفط والغاز بينما هي مجرد أمنيات مصحوبة بما يأملونه من تحويل ورقة الثروة الطبيعية التي تمتلكها الدول المنتجة للنفط والغاز والمهمة جداً للاقتصاد العالمي إلى هامشية بهدف إبقاء تفوق الغرب اقتصادياً وعدم بروز الاقتصادات الناشئة كمنافس لهم.
أكدت «أوبك» أنها لا ترفض أي مصادر أو تقنيات للطاقة، إدراكاً منها للتحدي الذي يواجه العالم من أجل إنهاء فقر الطاقة، وتلبية الطلب المتزايد وضمان بقاء الأسعار عند مستويات معقولة مع تقليل الانبعاثات، لكن من الواضح أن الوكالة لديها فجوة معرفية باحتياجات الاقتصاد العالمي من الطاقة وكيف يجب أن يبنى المزيج الذي سيبقى النفط والغاز ركيزته الأساسية لأنها طاقة مأمونة ومضمونة ولها منافع هائلة فبحسب التوقعات يحتاج العالم إلى استثمارات بالنفط والغاز تقارب الـ 600 مليار دولار سنوياً حتى العام 2030 فيما انخفض الرقم لما دون 400 مليار في السنوات القليلة الماضية وإذا لم يقرأ من يدعون لخفض الاستثمارات والاستعجال بخفض الاعتماد على النفط والغاز الواقع بشكل دقيق فإن العالم سيصدم بارتفاع أسعار كبير جداً للنفط والغاز وعندها لن تنفعهم الأمنيات ولا الأيديولوجيات ولن يكونوا قد استفادوا من درس أزمة الطاقة لديهم التي خلفتها حرب روسيا وأوكرانيا وأدت لارتفاع كبير بتكلفة الإنتاج لديهم والتضخم الذي يحاربونه بطرق أدت لإضعاف اقتصادهم ودخول بعض دول منطقة اليورو بركود تضخمي.