عبدالرحمن الحبيب
قمة مجموعة العشرين الأخيرة كانت في وضع حرج، إذ واجهت صعوبات عدة تتمثل أساساً في منافسات أو خصومات بين بعض أعضائها مثل الصراع الروسي - الأوكراني وغياب الرئيس الروسي بسبب الخلاف الحاد مع الغرب، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين، وغياب الرئيس الصيني عن هذه القمة مما يعكس التنافس بين بكين والنزاع الحدودي مع نيودلهي. ورغم ذلك فإن العالم لا يزال بحاجة إليها. فهل خرجت المجموعة من هذا الوضع الحرج؟
رغم حالة الانقسام العالمية وتنامي التوترات بين بعض الأعضاء، فإن اجتماع القمة الأخير لمجموعة العشرين حقق مكاسب واضحة في بعض المجالات مثل المطالبة بإصلاح بنوك التنمية المتعددة الأطراف، وتمويل المناخ، وديون البلدان النامية. إذ يبدو أنه تم إدراك أن الخلافات الحادة بين بعض الأعضاء ينبغي لها ألا تمنع التقدم في بعض المجالات الضرورية لكل سكان الكوكب مثل قضية تغير المناخ وما نشهده من كوارث في مناطق عدة من العالم من زلازل وفيضانات وبراكين، فضلاً عن ارتفاع درجة الحرارة بمعدل غير مسبوق. لذلك شهدت قمة العشرين تخفيفاً في حدة صياغة بيانات العام الماضي من أجل الاتفاق على الحد الأدنى من التعاون المشترك، مثلما حصل في هذه القمة تجاه الصراع الروسي الأوكراني الذي خفف اللهجة على خلاف قمة العالم الماضي من أجل الاتفاق على بيان مشترك.
وقد اتفق زعماء أكبر 20 اقتصاداً في العالم في قمة نيودلهي على بيان مشترك «يدعو بنوك التنمية المتعددة الأطراف إلى بذل جهود شاملة لتطوير رؤيتها وهياكل الحوافز والنهج التشغيلية والقدرات المالية حتى تكون أفضل».
وقالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا: «لجعل الاقتصاد العالمي أقوى وأكثر مرونة في عالم أكثر عرضة للصدمات، من الضروري التوصل إلى اتفاق لزيادة موارد حصص صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام وتأمين الموارد اللازمة لدعم الصندوق بدون فوائد لصندوق النقد الدولي».
الصين التي لم يحضر رئيسها وحضر بدلاً منه رئيس الوزراء، أشادت بالإعلان المشترك لزعماء مجموعة العشرين، في دلهي، قائلة إنه أرسل «إشارة إيجابية» إلى العالم. كما أشادت عدة دول أخرى، بما في ذلك بريطانيا وأمريكا، بالبيان المشترك، الذي تجنب إدانة روسيا، الحليف الاستراتيجي الرئيسي للصين، وبدورها أشادت روسيا أيضاً بالإعلان ووصفته بأنه «علامة فارقة»..
فقد كانت مسألة تعزيز الميزانيات العمومية وإصلاح إدارة المقرضين المتعددي الأطراف قضية مركزية في القمة بما في ذلك إصلاح البنوك المتعددة الأطراف، وتنظيم العملات المشفرة، وإطار إعادة هيكلة ديون البلدان المثقلة بالديون، إضافة إلى مطالبة صندوق النقد الدولي بزيادة موارد المقرض بحلول نهاية العام.
بالأساس فإن أهمية مجموعة العشرين تأتي لعمل توازن عالمي بين مجموعة السبع التي تمثل مصالح العالم الغربي واحتكاره لتشكل تنويعاً إيجابياً بين الشرق والغرب، والجنوب والشمال، رغم وجود تباينات في المصالح وفي الرؤى، والآن أصحب للمجموعة تمثلاً أوسع بعد أن اتفق قادة مجموعة العشرين المجتمعون في الهند على انضمام الاتحاد الإفريقي إليها، ويعد حصول الاتحاد الإفريقي على عضوية مجموعة العشرين توسيعاً إيجابياً لمشاركة العالم النامي في تلك المجموعة.
مجموعة العشرين تأسست سنة 1999 لتكون مُنتدى دولياً يجمع الحكومات ومُحافظي البنوك المركزية من 19 دولة والاتحاد الأوروبي بهدف مُناقشة السياسات المُتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي الدولي، وأيضا مُعالجة القضايا المصيرية للعالم، لكنها كانت آنذاك متواضعة التأثير. أما بعد ذلك فقد وسعت مجموعة العشرين جدول أعمالها مُنذ عام 2008، حيث أصبح يُشارك في قممها رؤساء الحكومات أو رؤساء الدول، فضلاً عن وزراء المالية ووزراء الخارجية ومراكز الفكر، إذ تُمثل اقتصادات الدول الأعضاء في مجموعة العشرين مُجتمعة حوالي 90 % من إجمالي الناتج العالمي، و80% من التجارة العالمية، وثُلثي سكان العالم، وحوالي نصف مساحة اليابسة في العالم.
أهمية هذه المجموعة تنامت بعد الأزمة المالية العالمية عام 2009 واتفق القادة على مبادرات وإجراءات مشتركة بقيمة 1.1 تريليون دولار لتعزيز التجارة ودعم الاقتصادات المتعثرة. وتم الترحيب بمجموعة الدول الـ19 الكبرى من الأسواق المتقدمة والنامية والاتحاد الأوروبي باعتبارها منتدى للتعاون الاقتصادي يمكن أن يحل محل مجموعة السبع التي يهيمن عليها الغرب (صحيفة الفايننشال تايمز). وفي عصر يتسم بالتنافس بين القوى العظمى الجديدة والتهديد الوجودي الذي يفرضه تغير المناخ، فمن المصلحة العالمية أيضاً أن يجتمع زعماء الاقتصادات الضخمة، وإن كانت معادية في كثير من الأحيان، للحوار. ورغم الخلافات الحدودية بين الصين والهند فهما تشتركان في الرغبة في تجديد الإدارة السياسية والمالية العالمية لجعلها أكثر تمثيلاً للاقتصادات الناشئة.. وكذلك رغم المنافسة الحادة بين الصين والولايات المتحدة فمن مصلحتهما ومصلحة الاقتصاد العالمي أن تعالج تلك الخلافات بالتفاهم المشترك.. وليس من خلال تكتلات تناهض بعضها البعض وتعرقل الاقتصاد العالمي برمته. وهناك شبه اتفاق عالمي بأنه رغم ما تعانيه مجموعة العشرين من العديد من العيوب وأوجه القصور، فهي المنتدى الدولي الأفضل الذي ينظمه العالم.