محمد بن عيسى الكنعان
الحكم على أهمية الدول في المحافل الدولية، أو فاعلية مشاركاتها في القمم العالمية لا يرتبط فقط بأسماء تلك الدول، أو المعرفة المسبقة عنها، أو مجرد حضورها، أو وجود علمها على منصات تلك المحافل أو القمم، إنما يرتبط بمستوى تمثيلها، وحضورها الفعلي، وقيمة مشاركتها بناءً على مكانتها العالمية، وتأثيرها في المشهد الدولي وفقًا لمقوماتها الاقتصادية، ودورها الإقليمي، وريادتها لمحيطها بشكل عام. لهذا لم يكن حضور المملكة في قمم قادة مجموعة العشرين هامشيًا، أو ثانويًا، أو ذات مشاركة تقليدية أو عابرة، بل كانت متميزة ولافتة وذات أثر إيجابي، ففي كل قمة تحضرها المملكة تستحوذ على نصيب كبير من اهتمامات المراقبين والمحللين السياسيين والاقتصاديين على مستوى العالم، كما تستحوذ على مساحات كبيرة من أضواء الإعلام - التقليدي والرقمي - في أروقة القمة وجلساتها، وما يتمخض عنها من قرارات واتفاقيات.
وكالعادة كان للمملكة حضورها الطاغي ومشاركتها الفاعلة في قمة قادة مجموعة العشرين التي عُقدت بالهند، ذلك الحضور المهيب بوفد المملكة الذي ترأسه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - وتلك المشاركة بكلمته الضافية، التي أعلن من خلالها توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع الممر الاقتصادي الذي يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، فقال سموه الكريم: «يسعدني اليوم أن نجتمع في هذا البلد الصديق؛ لتوقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا». وذلك في اجتماع الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، إلى جانب لقاءات سموه الكريم المتعددة، والاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين المملكة وعدة دول. فكانت السعودية هي القمة في اجتماعات قمة العشرين.
تأتي أهمية هذا المشروع الجبّار أنه يُحقق إيجاد طرق تجارية آمنة وموثوقة، تتميز بالكفاءة العالية والتكلفة المناسبة؛ حيث يهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري، وتسهيل حركة البضائع والسلع الأساسية، كما يتضمن المشروع كابلًا بحريًا جديدًا، وبنية تحتية لنقل الطاقة، وبهذا يحافظ على سلاسل الإمداد ويحقق استدامتها، وبالتالي يدعم التجارة الدولية بما يعزز الاقتصاد العالمي. وهذا يعكس - ولا شك - الأهمية الاستراتيجية لموقع المملكة الجغرافي، كما يؤكد الدور المحور والقيادي بصفة المملكة مصدرًا رئيسًا وموثوقًا للطاقة. خاصةً أن هذا الممر سيعبر دولًا ومناطق جغرافية مختلفة، بداية من الهند، ومرورًا ببحر العرب ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية والأردن وغيرها وصولًا إلى أوروبا.