رمضان جريدي العنزي
كم بيت تهدم بسبب وشاية أو كذبة أو اختلاق رواية، وكم قطيعة بين صديقين أو أخوين أو قريبين بسبب ناس تحزبت وتعصبت وتناخت لهذا دون ذاك، من غير وعي أو إدراك لمآلات الأمور ونتائجها ونهاياتها، حتى وصلت القطيعة بينهم والهجر لسنوات طويلة جداً بسبب هؤلاء المخربين للعلاقات العائلية، إن الذين يسعون في تخريب العلاقات الاجتماعية والعائلية أناس فاسدون وسيئون وواهنون، ولا يعرفون فضيلة إصلاح ذات البين وأنها عبادة عظيمة وعمل جميل وجليل، بقدر معرفتهم التامة بالتفريق بين الناس وتشتيتهم وقطع وصلهم لغايات دنيئة في أنفسهم المريضة، إنهم لا يعرفون المكارم والمحاسن والخصال الحميدة بقدر معرفتهم بالمثالب والمخازي والمعائب والنقائض، إن الرجل الحر الشريف يتجنب هذه الأعمال وهذه المخازي، يركن إلى الوفاء ويبتعد عن الغدر، يصلح ولا يخرب، يلم الشتات، ولا يفرق ويبعد، إن إصلاح ذات البين من مكارم الأخلاق العظيمة، فقد حث عليها الشرع في أكثر من مناسبة، كما في قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)، وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَن الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) متفق عليه واللفظ للبخاري، ولأهمية هذه المكرمة جعل لها الإسلام جزءاً من مصارف الزكاة، تصرف على الغارمين الذين يسعون للإصلاح بين الناس. قال صلى الله عليه وسلم:(أفضلُ الصدقةِ إصلاحُ ذاتِ البينِ) رواه الطبراني، إن إصلاح ذات البين شعبة إيمانية، وشرعة إسلامية، تُستل بها الضغائن، وتصفو بها القلوب، وتخمد نيران الفتن، فهنيئاً للمصلحين، وتباً للمشعلين الفتن بين الناس.
يقول الشاعر:
إن المكارم كلَّها لو حصلت
رجعت بجملتها إلى شيئين
تعظيم أمر الله جلَّ جلاله
والسعي في إصلاح ذات البين