د. نعيمة بنت عصيد العنزي
تتميز المملكة العربية السعودية باتساع رقعتها الجغرافية، وبتنوع بيئاتها وتضاريسها، مما جعل منها دولة متفردة بتنوع كائناتها النباتية والحيوانية. فضلاً عن أن موقعها الجغرافي الرابط بين القارتين الأفريقية والآسيوية وتأثرها بالمناخ المتوسطي ساهم في تميز تنوعها الإحيائي. إلا أنه وفي العشرية الأخيرة ظهرت فيها بعض الظواهر البيئية الغريبة التي ضربت العديد من الأشجار ونظر إليها شريحة من المختصين على أنها ظواهر طبيعية متوازنة للمنظومة البيئية نفسها Ecosystem، إلا أن حدة هذه الظواهر والتي أدت إلى موت العديد من الأشجار، وتقلص نسبة المساحات الخضراء، جعل الخطر على بيئتنا النباتية أكثر وضوحاً ليس فقط للقائمين على الشأن البيئي والزراعي في وطننا العزيز بل حتى للمواطن العادي الذي أصبح يلاحظ هذه التغيرات الكبيرة. مما جعل كل قطاعاتنا الرسمية تعمل على قدم وساق لإيجاد حلول سريعة للتصدي لهذه الظواهر. ولعل آخر هذه الظواهر التي حيرت الرأي العام السقوط المفاجئ والموت لبعض أشجارنا المعمرة في المنطقة الجنوبية وهو ما قد يؤدي إلى انقراض هذه الأشجار النادرة في مدة قصيرة إن لم يتم التدخل السريع للتصدي لهذا الخطر الداهم. وفي ظاهرة تدهور أشجار الطلحيات تم عمل تقصي ميداني وتتبع لأسباب موت وتدهور هذه الأشجار بمنطقة حائل، وتبين أن من الأسباب الرئيسة لهذه الظاهرة هو تكاثر آفة حفار الخشب Steraspis speciosa بصفة غير مسبوقة، حيث تتخذ جذوع الأشجار مسكناً لها مما يجعل الذبول ثم الموت يدب في أطراف هذه الأشجار لعدم وصول العصارات المغذية لها بفعل تآكل أنسجتها الخشبية واللحائية بسبب تغذية يرقة الحفار داخلها. أيضاً كما أن هناك ظاهرة تراجع أشجارنا الأصلية بسبب الغزو النباتي من أشجار دخيلة على بيئتنا الطبيعية فاحتلت مساحات شاسعة مسببة ما سمي بالتصحر الأخضر. ولعل أخطرها (أشجار المسكيت) التي غزت جميع الأراضي الخصبة في المنطقة الجنوبية والجنوبية الغربية للمملكة. ولضمان نجاح سعوديتنا الخضراء هناك - في نظري- ضرورة لاعتماد التنوع البيولوجي الطبيعي كإستراتيجية لإعادة تأهيل الغابات وذلك عن طريق السيطرة المتكاملة على هذه النباتات الغازية كأولوية ملحة قبل استعادة الغابات في المملكة.
وهنا تثار العديد من التساؤلات:
• هل ما يحدث لأشجارنا النادرة هو أمر عادي؟
• أليست الآفات قد سجل تواجدها منذ عشرات السنين بالمملكة؟
• هل فعلاً ستمثل خطورة كبيرة عن بيئتنا؟
• وهل فعلاً ستشكل النباتات الغازية خطراً داهماً أم أنها تزيد في الغطاء النباتي وتحسن المناطق القاحلة؟
نعم: هناك بعض الباحثين غير المختصين من يعزو وجود هذه الظواهر إلى الطبيعة وأنها من التوازن البيئي ولا خطر منها بل حتى أنه لا يؤمن بغير هذا الرأي. إلا أن هناك تحولات مناخية عدة وبيئية وإحيائية عالمية لابد من أخذها بعين الاعتبار أذكر منها:
1- التقلبات المناخية التي أدت في المملكة مثلاً، إلى امتداد فترة الرطوبة والأمطار إلى وقت متأخر من الربيع وحتى بداية الصيف ثم دخول الحرارة صيفاً بشدة مما أدى إلى تكاثر غير مسبوق، خاصة لحشرات لم نكن نعرفها من قبل، أو كانت متواجدة بقلة ولا تمثل خطورة والآن أصبحت تشكل خطراً على غطائنا النباتي. ومع ازدياد كميات الأمطار وفي الوقت نفسه ارتفاع الرطوبة قد تحمل لنا الأيام المقبلة بعض الآفات الأخرى غير المعتادة لدينا.
2- العالم أصبح قرية صغيرة وقد نتج عن تطور طرق النقل جواً وبراً وبحراً سرعة غير معهودة في انتقال الأمراض والحشرات سواء المتعلقة بالإنسان أو النبات أو الحيوان.
3- اتساع رقعة المملكة فهي بحجم قارة، يجعل مقاومة انتشار الأوبئة والآفات صعبة جداً إن لم تؤخذ الأمور بالجد في بداياتها. وكلما كان التصدي سريعاً كانت التكاليف أقل بكثير: ماليًا وبيئيًا ونباتيًا.
ولحداثة الاهتمام بالبيئة لدينا فإن المجال البيئي لم يحظ بالبحث والدراسة في السنوات الماضية إلا ما ندر. وفي السنوات الأخيرة بدأ الاهتمام بهذا المجال ولكنه ما زال في مراحله الأولى ويحتاج من قبل متخذي القرار إلى تعزيز ودعم كبير لتكون الأبحاث التخصصية داعماً رئيساً لصناع القرار البيئي في المملكة العربية السعودية بشكل علمي رصين.
وفي الختام يبقى واجب التذكير بأن المحافظة على غطائنا النباتي يعد واجباً فردياً ومجتمعياً فضلاً عن كونه مسئولية رسمية. لهذا كله كان الاهتمام الكبير مؤخراً بهذا القطاع الساخن من قبل القيادة الحكيمة الحازمة متمثلاً في التشريع والتنظيم والتنفيذ والإجراء. ويبقى المواطن الفاعل الأول والأخير في كل هذه القضايا والذي عودنا دائماً بيقظته وحرصه الشديد على الحفاظ على موروثنا الإحيائي والحضاري من أجل تحقيق الهدف المتمثل في المكافحة والمحافظة في آن واحد لاستعادة صحة واستدامة نظامنا البيئي في مملكتنا الحبيبة.
** **
أستاذ علم المكافحة الحيوية والمبيدات المشارك - جامعة حائل