د.أمل بنت محمد التميمي
من أقوال محمد بن سلمان «الحياة قصيرة جداً وهناك الكثير من الأشياء بإمكاننا صنعها للوطن»...
الرؤية واللغة والإطلالة
يوم الخميس 21 سبتمبر 2023م العالم يؤقت نفسه على لقاء الملهم ولي العهد محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء على قناة فوكس - نيوز الأمريكية. وقبل الإعلان عن اللقاء رافق الإعلام العالمي رحلة ولي العهد إلى الهند.
الشيء بالشيء يذكر، رافقت رحلات ولي العهد العالمية السابقة، وكذلك لقاءاته الإعلامية المتعددة دراسات إعلامية متعددة عن رؤيته ولكنني اهتممت بلغته وإطلالته، هذه الوسامة للأمير السعودي طويل القامة وصاحب الكاريزما، تعكس صفات خلقية أجمل لأنه ببساطة في شخصية محمد بن سلمان الخلقية عوامل كثيرة أدت إلى اتحاد الصف العربي على التأثر به؛ ولعوامل كثيرة استطاع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أن يفوز بلقب «القائد العربي الأكثر تأثيرًا عام 2022» وفق استطلاع للرأي أجرته قناة RT الناطقة بالعربية. وهذا الاستطلاع الذي يعكس حبًّا جماهيريًّا شعبيًّا لولي العهد.
ولكن سبق هذه الدراسة وإعجابي بهذا الأمير الشاب من آل سعود، التأثر بهيبته وإطلالته، ففي يوم حضوري (الخطاب الملكي السنوي) لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في مجلس الشورى، السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، (الاثنين 19 نوفمبر 2018 - 11 ربيع الأول 1440هـ).
حضرت مبكراً وصليت الظهر وجلسنا ننتظر دخول الملك حفظه الله، وقبل دخوله القاعة أخبرنا المنظمون بأن الملك أمام الباب وسيدخل القاعة بعد قليل. ولنكن على استعداد لاستقبال الملك.
ونحن نستعد صمتت القاعة صمتاً فلا تسمع حتى الأنفاس، وشعرت بقشعريرة عجيبة، ووقفنا جميعاً بصمت، وهذا المشهد أشعرني بهيبة تدخل المكان قبل دخول الملك، فتذكرت الآية الكريمة التي يقول فيها ملك الملوك: «يعطي الملك من يشاء»... فالهيبة مستمدة من الملك الواهب الذي وهبه الملك والهيبة، دخل الملك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - وفور وصول خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله سلم علينا بصوت جهور لا يحتاج مكبراً - ماشاء الله- ومعه حاشية ملكية في استقباله ثم جلسوا في أماكنهم، وقبل أن يفتتح الملك أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، شاهدت صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع آنذاك ورئيس مجلس الوزراء دون حقيبة وزارة الدفاع حالياً، بمقر المجلس معنا. كان يجلس بجوار سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ. وفي صفّه العديد من الأمراء حفظهم الله جميعاً.
وأنا أتأمل المشهد بشعور غريب، له هيبة وهو صامت، وبعد خروجي من هذا المشهد الذي غير في حياتي كثيراً، قررت أن أبحث عن (الهيبة والإطلالة والحضور) التي يمنحها الله لعباده ومنهم ولي العهد محمد بن سلمان، فأعطاه الله الهيبة في الحضور، واللغة المؤثرة والسرعة في تنفيذ العمل والقبول بين الناس، فأصبح نموذجاً إنسانياً للقدوة في كل شيء بهبة من الخالق.
سأبدأ المقالة بـ بمقولة لولي العهد محمد بن سلمان...في إجابته على سؤال (نيويورك تايمز) الأمريكية حول لماذا العجلة في قراراتكم؟، ردّ ولي العهد: «أخشى أن يأتي اليوم الذي سأموت فيه وأموت دون أن أنجز ما في ذهني لوطني، الحياة قصيرة جداً وهناك الكثير من الأشياء بإمكاننا صنعها للوطن وأنا حريص أن أراها تتحقق بأم عيني وهذا هو السبب في أنني في عجلة من أمري».
في فترة وجيزة جداً في عمر الزمن أصبح لولي العهد محمد بن سلمان أقوال مأثورة وعبارات مشهورة على لسان الشعب والأمة يكررونها، وهذه العبارات أُعجبت بها كثيراً وكنت أرصدها منذ زمن ووضعتها في جداول وقمت بتصنيفها، وكنت أوظفها في التدريس والتدريب والتكاليف الأكاديمية لطالباتي والبحث العلمي. وبعد فترة من الزمن قمت بتحليل تلك الأقوال ودراستها في بحوث علمية، واليوم قررت أن أختصر بعض تلك الأبحاث وأنشرها في سلسلة مقالات لتفيد القرّاء ولعلها تكون مفتاحاً لدراسات بحثية رصينة للكثير من القرّاء.
نتذكر إطلالة ولي العهد في الإعلام العربي والإعلام الخارجي العالمي، وكذلك نتذكر لغته باللغة العربية وللغة ولي العهد لها سمات تخصه في ظهوره الإعلامي، فلو أمعنا النظر منذ إطلاق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رؤية (المملكة 2030) في عام (25 إبريل 2016م) وحتى لقائه الأخير مع عبد الله المديفر في عام (15 رمضان 1442هـ الموافق 28 إبريل 2021م) بمناسبة مرور خمس سنوات على إطلاق رؤية (المملكة2030). وله أقوال مأثورة تتناقلها كل وسائل الإعلام بتصاميم مختلفة وتتنافس الجهات في تقديم أقوال ولي العهد بطريقة لها طابع خاص، وكذلك تتناقلها الجماهير، وفي سلسلة المقالات سوف نعلق على بعض تلك التصاميم التي استثمرت إطلالة ولي العهد ولغته المميزة وسهلة الحفظ، ووجدت مجلة بعنوان (الضفتين) توثق بعض مقولات محمد بن سلمان بمناسبة اليوم الوطني السعودي الـ 90، ولاحظت أن المجلة استخدمت بعض الصور مقتبسة من محرك البحث (جوجل) عليها اسم الجهة التي قامت بالتصميم.( )
ولنتذكر دائماً أن خطاب ولي العهد محمد بن سلمان إلى الجمهور السعودي والعربي والعالمي عبر القنوات التلفزيونية، قدم نفسه بوصفه قائد أمة عربياً، له طموحات، له بشارات، وله أقوال مأثورة وفي كل لقاء يبث في خطابه رسائل للجماهير العربية والعالمية، وكذلك يقدم براهين على مراجعة خطاباته السابقة ليثبت للجماهير صدق خطابه، لبعث الطمأنينة في الداخل، وإرسال رسائل إلى الجمهور العالمي، وفي كل لقاء يظهر فيه له رسالة وله هدف؛ لذلك كان خطابه محط اهتمام الجماهير. ومحط اهتمام بالنسبة لي لسنوات عديدة منذ إطلاقه الرؤية في أوّل خطاب.
فاق متابعة خطاب ولي العهد محمد بن سلمان المتعة الشخصية إلى تفكيك عناصر الخطاب، فإن اللغة التي يستعملها وتأثيرها، والإطلالة الخاصة به، تأخذ عمقاً في التحليل باستخدام المناهج العلمية وتفكيك الخطاب، فكان الهدف الأساسي في التحليل منطلقاً من صاحب الرسالة (المرسل) الذات المبدعة في إطلاق رسالة ذات أبعادٍ متعددة، وأصبحت مرتبطة ببنية المجتمع بكل فئاته وقضاياه، فالرسائل التي يبثها (صاحب الرسالة) عميقة جداً ولها علاقة بهموم المجتمع وقضاياه، ففي خطابه التحول نحو الأفضل والتطوير والإصلاح. وتعدد خطابه فهو صالح لدراسته في أكثر من حقل إعلامياً وسياسياً وإنسانياً...إلخ ومن أكثر الحقول التي يمكن أن تستفيد من خطاب ولي العهد حقل تطوير الذات مستخدمة أقواله للتحفيز، وإطلالته في الظهور، ولغته المؤثرة.
لقد نقل الإعلام المرئي لقاءات ولي العهد محمد بن سلمان في شكل كلام منطوق، وهو قادر على توجيه الكلام بشكل مرتجل بدون القراءة من نص مكتوب، ويتميز خطابه بقواعد مرجعية يمكن الرجوع إليها في نص الرؤية التي أطلقها، ويتميز كذلك اتساق النص مع التجربة في النتائج المتحققة، وبدا في الارتجال أنه ملمٌّ بنصوص الرؤية وكلامه شروحٌ لها وتطبيق ومراجع لتحقيق بعض البنود، ففي خطابه قادر على توجيه الجمهور أو الرأي العام إلى رسالته، وفي حقيقة الأمر لو دققنا في سياق بعض خطابات ولي العهد جاء مصححاً لبعض الخطابات الإعلامية المضللة.
إن تحليل الخطاب حديث الاستخدام في الدراسات الإعلامية ومن مميزاته يوضح الفكرة العامة أو الرئيسة للخطاب، والأفكار المساندة، وأهمية تحليل الخطاب استنتاج الاقتباسات التي اعتمدت عليها الجماهير في استخراج المعنى الظاهر لولي العهد، وتحول خطابه إلى خطاب إنساني يهتم بقيادة الدول العربية، وتقديم المقترحات والحلول لتحسين الأوضاع وتدعو المتلقي إلى التأثر به من خلال عبارات إقناعية وتقديم البراهين والحجج، ومن أهم الخطاب السياسي التأثير في الجماهير، وخطابه أحدث حراكاً تاريخياً.
وإذا كان مشروع سلسلة هذه المقالات بحثاً علمياً ميدانياً استفدت من محتواه ووظفته في التدريس الأكاديمي، وكذلك تقديم دورات تدريبة. ولقد اطلعت على قائمة الكتب التي أصدرت وتتناول ولي العهد محمد بن سلمان. فكانت السمة العامة للكتب التي تناولت ولي العهد محمد بن سلمان تهتم بالرؤية والإنجاز، ولم تدرس خطاب محمد بن سلمان في الخطاب الإعلامي.
وما يمكن لفت النظر إليه في سلسلة هذه المقالات هو أهمية دراسة خطاب ولي العهد محمد بن سلمان في الخطاب الإعلامي، بحيث تدرس اللغة والإطلالة ومحتوى الخطاب، مرتكزة على نظرية الاتصال، فيهتم تحليل الخطاب في دراسة الهدف من الخطاب، وصيغ التأثير في المتلقي، من لغة وإشارة وفك الشفرات في السياق، وتركز على الوسيلة للبث، والمحتوى، بغرض الوصول إلى الكشف عن تأثير خطاب ولي العهد باستخدام الوسائل الإعلامية المناسبة لمخاطبة الجمهور، فالمؤشرات تدل على قدرة استخدام ولي العهد على استعمال الوسيلة الإعلامية المناسبة في حالة الظهور الإعلامي من حيث اللغة المنطوقة والإطلالة واستخدام لغة الجسد.
يستخدم ولي العهد المحتوى الإعلامي لكي يرسل رسائل للجمهور واستطاع من خلال هذا الظهور أن يكسب جماهير؛ لأنه يحمل رسالة، ففي الخطاب الإعلامي ننظر إلى المحتوى، ومناسبته مع الوسيلة الإعلامية التلفازية.
في منهجية تحليل الخطاب الإعلامي يمكن أن نحلل الوسيلة والمحتوى والجمهور، ويمكن النظر إلى المحتوى الهادف والرسالة ومراعاة الوسيلة في خطاب ولي العهد.
اللغة ركن أساسي في الخطاب الإعلامي، فالخطاب نوعان، منها ما يهتم بالصورة، والآخر باللغة، فأي مستوى لغوي راعى ولي العهد في الخطاب مع الجماهير، فاستخدم لغة ملكية راقية فتقبلتها الجماهير وتفاعلت معها، فكانت هذه اللغة محل إعجاب الجماهير، فلم يستخدم اللهجة النجدية الخاصة بآل سعود، ووضع رسالته بأداة لغوية واضحة واسعة الجمهور، ولم يحصرها في ببيئة محدودة أو عامية، وعبر عن أفكاره بمستوى لغوي استخدمه ليصل صوته إلى العالم العربي، وانتشرت أفكاره بلغة من السهل إيصال رسالته بها، فقد استطاع أن يكون القائد العربي الأكثر تأثيراً، فقد راعى في خطابه مخاطبة الجمهور العربي، وانتشرت لغته من البيئة المحلية السعودية إلى العالم العربي، والمدهش أنه استطاع التأثير في الخطاب الإعلامي الأجنبي باستخدامه اللغة العربية، فما هي المواصفات التي تحلت بها لغة ولي العهد ليصل إلى الجماهير العربية والتأثير عليها وتوسعت دائرة التأثير في الخطاب العالمي؟.
إن موضوعنا يتناول خصائص اللغة الإعلامية في لقاءات صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود، وتنبع أهمية سلسلة هذه المقالات من عدة أمور، من أهمها:
أولاً: التعرف على مستوى الاستعمال اللغوي، وخصوصاً عند قائد مثل ولي العهد السعودي الذي استطاع في فترة زمنية قصيرة أن يكون له خطاب يميّزه عن غيره من القادة، وبالنظر إلى أهمية الشخصية القيادية، ومكانة الوطن الذي ينتمي إليه، فإن سلسلة هذه المقالات تُشكّل إضافةً مهمة للمتخصصين والمهتمين بدراسات الخطاب الإعلامي وبالعلوم السياسية.
ثانياً: توثيق أبرز الرسائل القيمية التي يحرص سمو ولي العهد على إيصالها للرأي العام المحلي والعربي والعالمي.
ثالثاً: تحليل استراتيجيات الاتصال الإقناعي للخطاب الذي يمتلكه ولي العهد محمد بن سلمان في خطابه بوصفه قائداً سعودياً استطاع خطابه أن يُوجد له حضوراً في الإعلام عالمياً.
رابعاً: ارتباط تحليل الخطاب الموجه لوسائل الإعلام المحلي والدولي في فترة تحول وحراك هامة للسياسة والاقتصاد في الثقافة السعودية، مما يتبعه من تغيرات اجتماعية، وتغيرات في العلاقات الدولية، وتوسع في الرؤى المستقبلية على كافة المستويات القومية والإقليمية والدولية.
خامساً: استهداف خطاب ولي العهد السعودي لقضايا الأمة العربية والإسلامية، فخطابه شامل لمختلف الأطروحات والقضايا في الشرق الأوسط فمجموع أقواله هي مجمل قضايانا. التي نكتب عنها دراسة وتحليلاً.
سادساً: يعد البحث الكيفي التكاملي المتعمق مطلباً مهماً لإثراء المكتبة العربية خاصة فيما يتعلق بالخطاب الموجه لوسائل الإعلام، ومسح عينة متعددة من خطابات ولي العهد في مناسبات وفترات زمنية مختلفة.
ومن هذا المنطلق كان اهتمامنا بدراسة لغة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود منصباً على تتّبع كيفية استعماله للغة العربية في بعض وسائل الإعلام العربي والدولي، وتتبع خلفيات هذا الاستعمال في اختياره الألفاظ الذي مكنه من امتلاك لغة خاصة به، وسوف نوضح أسباب استخدامه اللغة العربية في الإعلام الخارجي بوصفها لغة قوية يتم دعمها من القادة السعوديين قولاً وممارسة، وإظهار قوتها عملياً على لسان القادة السعوديين، واستعمالها في الإعلام الخارجي يوضح أنها لغة خطاب منافس سياسياً وحضارياً وثقافياً في الإعلام العالمي.
وللحديث عن أقوال هذا القائد والملهم العالمي بقية....
** **
- أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك سعود