د. إبراهيم بن جلال فضلون
بطل للأمة..
في مزيج فريد من عبق تراثنا التاريخي ووحدة حاضرنا الباسم وأحلام غدنا المُشرق -برؤيتها القديرة-، كتب عنها المؤرخون وغيرهم، فعندما نقرأ ما كتبه خير الدين الزركلي في مؤلفه، يقول: «الكرم من سجايا العرب المحمودة قديماً وحديثاً، والملك عبدالعزيز اشتهر بالجود في عهدي: ضيق ذات اليد، وإقبال دنيا النفط على خزائنه. كان يعطي ويتلذذ بالعطاء، وأخباره في هذا كثيرة. أنشأ الدولة، ودوّخ أعداءه ومنافسيه، وأدخل في بلاده أنواع الإصلاح، واشتهر بما انفرد به من الكرم. وذلك كله قبل أن يدر النفط فيضه، وقبل أن يكون له ولمملكته من الثروة ما ينهض به وبأعماله. ولما تدفق النفط أكمل ما بدأ».. بينما رآه الأديب والمفكر والشاعر المصري عباس محمود العقاد قائلاً عن الملك عبد العزيز كبطل للأمة يمتلك قدرة على البناء والتحديث على أسس عصرية: «ابن سعود، من أولئك الزعماء الذين يراهُم المتفرسون المُتوسمون فلا يحارون في أسباب زعامتهم ولا يجدون أنفسهم مضطرين أن يسألوا لماذا كان هؤلاء زعماء، لأن الإيمان باستحقاق هؤلاء لمنزلة الزعامة في أقوامهم أسهل كثيراً من الشك في ذلك الاستحقاق»، ومن العقاد لشهادة الكاتب والأديب العربي أمين الريحاني يقول: «لقد قابلت أمراء العرب كلهم، فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل، إن الرجل فيه أكبر من السلطان، ومهما قيل في ابن سعود فهو رجل قبل كل شيء، رجل كبير القلب والنفس والوجدان، عربي تجسمت فيه فضائل العرب إلى حدٍّ يندر في غير الملوك الذين زينتْ آثارهم شعرنا وتاريخنا، رجل صافي الذهن والوجدان، خلو من الادعاء والتصلف، خلو من التظاهر الكاذب». وبإنصافٍ يكتب محمود أبو الفتح: «ليس ابن سعود من أعظم رجال القرن العشرين فحسب، بل هو من أعظم رجال التاريخ كله».
تتكرر العظمة.. الأن في حفيدهِ، أمين الرؤية مُترجماً أحلام جده المُؤسس، عزة وفخراً بمؤسس السعودية الجديدة ورؤيتها الحالمة، فقد شهدت له المحافل الدولية ومؤرخوها، كوزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في مذكراته قائلاً: «إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يقود أكبر إصلاح ثقافي في تاريخ المملكة» ويصفه بـ»شخصية تاريخية حقاً على المسرح العالمي»، فمنذ مبايعة سموه بولاية العهد ومملكتنا تشهد تحولاً مفصلياً في تاريخها، في كل مجالاتها، وتفاصيل حياتها، كاستثمار المملكة لثرواتها الطبيعية والدخول في عصر ما بعد الذهب الأسود، وبناء دولة عصرية ومُدن ذكية تبوأت مكانة عالمية مرموقة في سنوات قليلة، جعلت من عاصمتها الرياض، مركزاً إقليمياً ودولياً لكافة الأنشطة والمجالات بأركانها «الإنسان» و»المكان»، ليكون الاقتصاد مُتعدد الأدوات والمصادر، وتكونُ السياسة من (عزم إلى حزم) في قراراتها وأنظمتها الداخلية والخارجية، وتطبيق قيم العدل والمساواة من دون تمييز أو مُحاباة أو عنصرية، بإصلاحات شاملة أعادت الأموال المنهوبة من الفاسدين عبر «نزاهة»، كدليل على أن الإنسانية -كأسنان المشط سواسية- فخرجت كلمات ولي العهد نوراً قال فيها: «سيتم محاسبة أي فاسد تتوفر ضده الأدلة الكافية، كائناً من كان.. أميراً أو وزيراً أو مواطناً»، فكان من منن الله أن جاء الأمير محمد بن سلمان حاملاً بهمته تأسيس كيانات وهيئات رسخت أعمدة الدولة، بل وعمل على تحالفات قوية، ووضع خططاً استراتيجية قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى أثرها يستهدف عدة أجيال، بإشراك المرأة الفاعل، مما يسلط الضوء على تكامل جهود مكافحة الفساد والمخدرات في ذات الوقت..
«نحلم ونحقق».. مُنذُ المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وأبنائه المغفور لهم (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله)، وصولاً إلى ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك الحزم والعزم، وولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رائد التطوير والرؤى الحكيمة -حفظهما الله-.. ليعلو صوت الأحلام التي أصبحت قريبة وواقعية في كل مناحي حياتنا، إذ انعكس تأثيرها مجتمعياً ودولياً بفضل السياسات المتوازنة ورؤية نضجت بمشاريع ضخمة راهنت عليها المملكة، وهو ما جعلها ترسخ من قوتها ومكانتها الدولية لتكون محوراً رئيساً في قرارات العالم، وليُؤكد أهل السير والتاريخ، قوة الدولة القائدة، في ذكراها الـ 93 واضعةً أمامه نموذجاً أذهل ولا يزال يسحر الأنظار منذ التوحيد لأرضٍ تُشبه القارة.
في الذاكرة ملك وحفيد.. ذكرتني السياسات الحكيمة للمملكة الآن بما رسخه المؤسس لدعائم الدولة، وعدم الالتفات لأعداء النجاح متابعاً حفيده مسيرته لصلاح بلاده، فقد ذكر الزركلي بعضاً ممن عارضوه على الاحتفال بمرور خمسين عاماً على فتح الرياض 21 يوليو 1950، ليكون لمواقفه أثر وتوفيق، وهداية للمسترشدين. (كتاب الوجيز الصفحات: 197 - 198 - 199).. وها هو ذا محمد بن سلمان شهد له العالم بإنجازات جعلت المملكة في مقدمة المؤشرات الدولية، وصاحب أكبر ألقاب وأوسمة وتكريمات، منذ اختياره بمجلة «فوربس» 2017م، ومنحته - بصفته رئيساً لمجلس إدارة مركز الملك سلمان للشباب - جائزة شخصية العام القيادية لدعم رواد الأعمال لعام 2013، وجاء ضمن قائمة «رائد التغيير العالمي»، ومن بين خمسين شخصية مُؤثرة في العالم، بحسب القائمة السنوية التي تصدرها مجلة بلومبيرغ، وكذلك مجلة السياسة الخارجية الأميركية فورين بوليسي، لأهم مائة مفكِّر في العالم لعام 2015، ومنحته مجلة تايم الأمريكية، لقب «شخصية عام 2017»، وحلّ في المركز الثامن عالميّاً والأول عربياً، ضمن قائمة مجلة فوربس الأمريكية، لأقوى 75 شخصية عالمية لعام 2018. وفي 3 مارس 2021، منحته جامعة الدول العربية، شهادة تقدير درع العمل العربي التنموي، وغيرها من الدول العربية الشقيقة التي يعمل ولي العهد لجعلها (أوروبا الجديدة)، ليخلق حقائق «جيوسياسية و»جيو استراتيجية» عميقة تمهد لكثير من الاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي، وتأسيس نماذج تنموية وسلمية، رأيناها في الردع السعودي للإرهاب والفاسدين، ومد يد السلام لإيران التي أرهبت مليشياتها المنطقة في دولنا العربية وآبار النفط.. وكذلك شفافيتها في القضية الفلسطينية وعملية التطبيع التي يدعيها البعض، فالمملكة دولة ذات مكانة وريادة لا تتاجر بقضايا العرب وحقوقهم.
احتفاء مُلهم.. إذْ تحتفلُ المملكة بنجاح ملحمتها الـ 93 بعطاء إنساني وإرادة قيادية، تم ترجمتها في مواقف شتى على مرأى العالم ومسمع شهود، في إغاثة الشعوب أخرها زلزال المغرب وإعصار ليبيا ومد جسور العون للشعب السوداني وغيرهم، ولا زالت تُبحر بسُفنها الإنسانية في عُباب من الأمن والاستقرار ومعادلة من الأصالة وتفاعل الأجيال مع التجارب العصرية والاستفادة منها؛ لتتوالى النجاحات والإنجازات، عبر أعوام مديدة راسية على بر الأمان، رغم أحلك الظروف العالمية وانهياراتها الاقتصادية فقد أنقذت العالم برئاستها G20 وسط جائحة عزلت العالم، وتضخم ضرب الأسواق بارتفاع أسعار الفائدة، التي نجت المملكة منها بـ 2 % فقط مقابل دول متقدمة وصل تضخمها لأكثر من 40 %، لتسير المملكة في ميزانياتها التريليونية منذ 2019 للآن فكانت الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1444-1445هـ (2023م)، بإجمالي إنفاق معتمد قدره 1,114 مليار ريال، وإيرادات مقدرة بحوالي 1,130 مليار ريال، وبفائض مقدر بنحو 16 مليار ريال (0.4 %) من الناتج المحلي الإجمالي، لتتواصل خطط التوسع في النشاط الاقتصادي والتنموي، والتي بدأت بقوة بفضل قمم ومبادرات عالمية في (جدة والرياض)، وغيرها دولياً اختتمت بالممر الاقتصادي (الهند أوروبا)، وقبلهُ طريق الحرير الصيني، وطلب انضمامها في مجموعة «بريكس»، ونجاح معرض سيتي سكيب الرياض (ملهم) الذي حقق استمارات تجاوزت الـ 110مليارات ريال، ومشاركة أكثر من 10,000 مستثمر دولي، ولثقلها في توازن السوق العالمي للنفط، وتوقعها عبر «أوبك» وصول التوقعات إلى 2.25 مليون برميل يومياً خلال عام 2024، ليصل الإجمالي إلى رقم قياسي جديد قدّر بـ 104.25 مليون برميل يومياً..
شعب مُتحد.. في هذا السبيل تغيير شامل ملأ الآفاق الجغرافية بعملية تنموية، فإن كانت مصر انطلقت من «النهر إلى البحر» فالسعودية ركبت عباب «الخليج إلى البحر الأحمر»، جاعلة من الشرق الأوسط حجر زاوية في مبادرة «السعودية الخضراء»، ومبادرات الانفتاح بعقلانية عبر السياحة والترفيه لهو دليل للمشككين (أن الثروة لا تكون إلا بالنفط)، فما لدينا بكثرة من رمال هو في الحقيقة «سيليكون»، وما لدينا من جبال طويق ما هو إلا معادن بشرية، وطاقات من جسور وعلاقات دولية ذات عقول وأفكار وإبداع، تتبناها وتُنميها وحدة الإرادة السياسية وقوتها وعزمها، لتحقيق المعجزات في سرعة البرق.. فلا يمكن للتحديات أن تهزم الوحدة السعودية، فهم منهل التجارب الحياتية والخبرات النابضة من رحم التاريخ، لتشكيل ورسم خطٍّ لا رجعة عنهُا، متجددة بالعهد والولاء لقادتنا في هذا اليوم الوطني الـ 93، كشعب مُتحد يتذكر إنجازات الماضي ويتطلع بثقة نحو مستقبل مشرق. ليبقى التفاني شعارنا الدائم.
أُحُبك يا بلادي.. نسمع صداها في كل مكان، وفي أبيات الشاعر محمود سامي البارودي «حنيناً وشوقاً»، لنا فيها إرثٌ هائلٌ نتذكرهُ في عامنا الثالث والتسعين من تاريخ الأمجاد السعودية قائلاً:
سمعتُ صوتك منساباً إلى أُذني
حتى أهاج بصدري كامن الشجن
حفظت حبك رغم البعد يا أملى
وصنت ذكرك في سرى وفى علني.