د. أحمد بن محمد السالم
يحتفل أبناء هذا الوطن بالذكرى الـ(93) التي تعبر عن مرور ثلاثة وتسعين عاماً على تأسيس بلد عظيم، تتجاوز مساحته مليوني كليومتر مربع، يتميز بموقع جغرافي استراتيجي، ويمتلك موارد طبيعية هائلة، ولديه قدرات استثمارية ضخمة، وغني بتراثه وحضارته، تمتد جذوره إلى قرون من الزمن. وما كان ذلك ليتم، لولا توفيق الله، ثم حنكة ودهاء المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، الذي استطاع استعادة أرض آبائه وأجداده (الرياض) عاصمة الدولة السعودية الثانية في 15-1-1902م، فاقتحم المصمك وبمعيته رجال مخلصون لا يتجاوز عددهم (40) رجلاً، انتصر فيها على أعدائه بالرغم من قلة العدة والعتاد، وبدأ مسيرة طويلة من الكفاح، امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً، خاض فيها العديد من المعارك، فوحد البلاد والعباد، وحل الأمن والسلام محل الخوف والاقتتال، والتصالح والوئام بدلاً من الصراع والنزاع، فأعلن الملك عبدالعزيز في مرسوم ملكي صدر بتاريخ 23-9-1932م عن تأسيس دولة عصرية دستورها كتاب الله وسنة رسوله، تبوأت اليوم مكانة مرموقة إقليمياً ودولياً. فإذا كان الملك عبدالعزيز رحمه الله هو مؤسس الدولة السعودية الثالثة التي نعيش، اليوم، في كنفها وننعم بخيراتها، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان أحدثا تغييرات جذرية في هيكل الاقتصاد الوطني وتحولات سريعة في المجتمع السعودي، فأصبح الحلم فيها واقعاً معاشاً، يجسد شعار يومنا الوطني لهذا العام (نحلم ونحقق)، وسوف يسجل التاريخ بمداد من ذهب ما حققته القيادة الرشيدة من إنجازات عظيمة ومشاريع ضخمة يتعذر على الآخرين تحقيقها لعقود من الزمن. ولله الحمد صنع قادتنا تاريخاً مجيداً ومستقبلاً واعداً للأجيال الحالية والمستقبلية. فكانت رؤية المملكة التي أقرها مجلس الوزراء الموقر في إبريل عام 2016م واعتمد تنفيذها على الفور، تشكل أساساً ومنطلقاً لنقل بلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة. وبعد مرور حوالي عام ونصف على إقرار الرؤية، تم السماح للمرأة بقيادة السيارة بدون قيد أو شرط،، وتزامن ذلك مع تطبيق الأنظمة والتعليمات ذات الصلة بحزم وصرامة، حفاظاً على المرأة من التحرش وكل أنواع الابتزاز والإساءة، وحصلت المرأة على كامل حقوقها المشروعة في العمل والتجارة، فالمواطنون متساوون في حق العمل دون تمييز، حسب ما نص عليه نظام العمل. لذا ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل العودي إلى 37 % في عام 2022م، مقارنة بـ 16.4 % قبل الرؤية(2015م). وانخفضت معدلات البطالة للمرأة السعودية في عام 2022م بأكثر من 50 % عما كانت عليه في عام 2015م. واليوم تجد المرأة في مراكز قيادية في المجالين المدني والعسكري، وباتت الفرص الوظيفية متكافئة للجميع.
في عام 2022م، حققت المملكة نمواً في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بلغ 8.7 % كأعلى معدل للنمو ضمن مجموعة العشرين، مما يعكس سلامة وصحة سياسات المملكة الاقتصادية وفاعلية الحكومة في مواجهة الأزمات والتحديات الاقتصادية. ولكون رؤية المملكة 2030 تستهدف، بشكل رئيسي، رفاهية مواطن اليوم والغد وتتمحور حول تلبية احتياجاته ومتطلباته، ارتفعت معدلات التوظيف وانخفضت معدلات البطالة للسعوديين ككل إلى 8 %، كأدنى معدل لها منذ بداية الرصد والتسجيل لمعدلات البطالة في عام 1999م. كذلك تجاوزت نسبة تملك الأسر السعودية للسكن 60 % في عام 2022م، بعد أن كانت 47 % فقط قبل الرؤية أي في عام 2015م. ولعل أكبر دليل على نجاح الرؤية التي دخلت عامها السابع، التقدم الملحوظ في تقليص الاعتماد على النفط وتنوع مصادر الدخل كأحد الأهداف الاستراتيجية للرؤية، حيث زادت الإيرادات غير النفطية من (163) مليار ريال في عام 2015م إلى (411) مليار ريال في عام 2022م. وتحول العجز القياسي في ميزانية الدولة لعام 2015م والبالغ (367) مليار ريال إلى فائض وقدره (102) مليار ريال في عام 2022م. ووضعتنا الرؤية على خارطة الدول المتقدمة في كثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم تصنيف المملكة في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2022م مرتفع جداً ضمن الدول المتقدمة. كذلك تحسن ترتيب المملكة في مؤشر الحكومة الإلكترونية الصادر عن الأمم المتحدة، ليصبح (31) في عام 2022م بدلاً من (44) في عام 2015م..
كان عام 2022م عاماً مليئاً بالحراك السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري...إلخ. احتضنت المملكة وبالتزامن ثلاث قمم في شهر ديسمبر من ذلك العام، سعودية، خليجية، وعربية مع جمهورية الصين الشعبية، وتلتها قمة عربية في جدة بتاريخ 2023/5/29م، وتعددت المعارض والفعاليات والمؤتمرات الدولية في مختلف مدن المملكة، مما جعل المملكة واجهة سياحية وترفيهية عالمية، ووصل عدد الزيارات من الخارج في عام 2022م (29.5) مليون زيارة مقارنة بـ (17.99) مليون زيارة في عام 2015م، قبل الرؤية. والكل يجمع أن المملكة اليوم لبست حلية جديدة وتمر بأزهى عصورها في تاريخنا المعاصر، وتسير بخطى مدروسة وقفزات متسارعة، للحاق بالدول المتقدمة عبر رؤية شاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية، تتوفر فيها أسس ومعايير نجاح الخطط والاستراتيجيات كوضوح الأهداف وقابليتها للقياس والتقييم، مرنة وقادرة على التكييف مع المستجدات والتطورات الإقليمية والدولية، وتحمل في طياتها حوكمة رشيدة لمسارها منذ البداية وإلى حين تحقيق مستهدفاتها.
يحق لنا أن نحتفل بهذا اليوم ونفتخر بقيادتنا الرشيدة وقد بدأنا نلمس إيجابيات الرؤية في حياتنا اليومية، ونقطف ثمارها، وكلي تفاؤل بمستقبل واعد وزاهر لهذا الوطن وأبنائه، في ظل قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي عهده الأمين، إذ ينصب جل جهدهم على رفعة الوطن وتحسين المستوى المعيشي لأبنائه، وتحقيق اقتصاد متينن (متنوع القاعدة الإنتاجية ومتعدد مصادر الدخل)، قادر على الصمود والتغلب على الصعاب، لكي يبقى الوطن بإذن الله شامخاً عزيزاً على مر العصور والأزمان، حفظ الله وطننا وقيادتنا والشعب السعودي الأبي من شر الأعداء وكيد الحاسدين. وكل عام ووطننا الغالي في أمن وأمان ونمو وازدهار.
** **
- نائب وزير الداخلية سابقاً