صبحي شبانة
أيام معدودات نادرة هي التي حفرت بصماتها في مجرى التاريخ، وأخاديد الزمن، لم تكن تلك الأيام الخوالي كبقية الأيام، هي أشبه بأقمار مضيئة، ساطعة في سموات مظلمة، تنجذب إليها الأبصار، وتهفو إليها الأفئدة، وترنو إليها البشرية في كل العصور باعتبارها رمزاً للتفوق والنجاح والتحول من عصر إلى عصر، اليوم الوطني للمملكة يأتي على رأس بل وفي مقدمة تلك الأيام الخالدة، أيضاً لم يكن الملك المؤسس «رحمه الله» رجلاً عادياً، فقد كان يحمل بين جوانحه هموم أمة - مليارية - بأسرها، ويضع فوق كواهله إرادة شعب يئن في ذاك الزمان تحت وطأة الفقر، وبراثن الجهل، والعصبيات القبلية، لم تكن الصورة قبل ثلاثة وتسعين عاماً في صحراء الجزيرة العربية وردية، بل كانت مأساوية، الفقر يضرب أطنابه، والقبائل تتناحر، والصحاري الواسعة مقفرة، فارغة جرداء لا حياة فيها ولا ماء، رجل واحد فقط في ذاك الزمن البعيد هو الذي كان يحلم، هو الملك الموحد والمؤسس، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود» طيب الله ثراه» الذي آمن بحلمه، وشحذ همته وإرادته، ومد بصره وقدمه من الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً، ومن شمال اليمن إلى جنوب الشام وبلاد الرافدين، يا لها من عبقرية رجل فذ ملهم، قرأ المستقبل البعيد، لم ينشغل بتصفية حسابات وخلافات الماضي، فك القيود، حرر البلاد، صهر القبائل، زرع الصحاري وفتش في بواطن وأعماق الأرض فأخرج ثرواتها، وأطلق عنان الثورة الصناعية الممتدة التي غيرت شكل العالم، وأنسنت مدنيته، وأعادت رسم خريطة وملامح حضارته، وشيدت هياكله وأدواته.
ما أشبه اليوم بالبارحة فها هو الأمير الشاب ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان «حفظه الله ورعاه» يصنع وباقتدار تاريخاً جديداً مجيداً ليس لأمته فقط بل للإنسانية جميعها، هو يعيش بيننا بفكر وعقل وروح النصف الثاني من الألفية الثالثة، فالزعامة الحقيقية لا تتكرر إلا كل مائة عام، فكما انفرد الجد المؤسس بزعامة القرن الماضي، ها هو الحفيد، ولي العهد، فريد عصره، يمضي بنا بخطى ثابتة وبأقدام راسخة إلى المستقبل البعيد التي لا ندرك نحن ملامحه، هو فقط يبصر تفاصيله وعناوينه، يهندس خرائطه، ويرسم خطوط الطول والعرض فيه، ويشكل حضارته ومن لم يعِ ذلك حتى الآن، عليه ان يستحضر المشهد القريب، ويرى كيف تحلق حوله زعماء وقادة قمة العشرين التي انعقدت مطلع الشهر الجاري في العاصمة الهندية نيودلهي، كيف اصطف الزعماء أمامه، وكيف التفوا من حوله انبهاراً وإعجاباً بزعيم الحاضر والمستقبل، الذي يسابق الزمن كي ينهض بأمة أعيتها الخلافات والصراعات والمحن، وعبث بأقدارها المستعمر لعقود طويلة، وقرون تليدة، وأوهنتها زعامات فارغة لا تختلف عن زعامات القرون الوسطى التي اسقطت الأندلس، وأضعفت الأمة، وشوهت حقباً من تاريخها ورهنت مستقبل أجيالها.
اعلم يقيناً أن ولي العهد زعيم وقائد من طراز استثنائي، لا عجب في ذلك فهو تربى وعاش وترعرع على يد والده خادم الحرمين الشريفين حكيم العرب وزعيم الأمة، ولم أتفاجأ حين بادرني محدثي البروفيسور الإنجليزي الكبير الذي رفع قبعته وانحنى حينما ذكر اسم ولي العهد أمامه، فشعبية ولي العهد الجارفة حول العالم لم تأت نتاج حملات علاقات عامة مصنوعة، إنما جاءت نتاج رؤية المملكة 2030، التي أراها أنا رؤية المملكة 2030، لأنها قفزت بالمملكة إلى مستقبل لم يكن بوسع أكثر المتفائلين أن يحلم به، فالشعب السعودي يعيش النصف الثاني من الألفية الثالثة واقعاً بفضل تلك الرؤية التي هندسها، وأرسى قواعدها، ووضع فلسفتها ولي العهد ملهم أجيال العالم وشبابه، فحجم الإنجازات التي تحققت في السبع سنوات الماضية، تحتاج لتحقيقها في دول أخرى إلى سبعة عقود، هذه الإنجازات شواهد ماثلة تجدها في كل ركن وزاوية في مختلف أنحاء المملكة، يشعر بها المواطن والمقيم، يلمسها الزائر حيثما حل أو ارتحل.
«نحلم ونحقق» شعار اليوم الوطني الثالث والتسعين، يعبر عن الحلم الذي كان بعيد المنال لكنه تحقق بفضل إرادة صلبة وعزيمة لا تلين، هنيئاً لشعب المملكة بيومها الوطني الثالث والتسعين الذي هو يوم لكل العرب.