د. محمد بن يحيى الفال
تحتفل بلادنا في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر بذكرى توحيد الوطن والتي تحل ذكراها الثالثة والتسعين لتوحيدها هذا العام على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله وجزاه خير الجزاء على ما قدمه من كفاح وصبر وتضحية لنشر الأمن والرخاء في كافة ربوع الوطن الغالي. منذ سنوات التأسيس الأولى ومع كل المخاطر الخارجية والتحديات الداخلية التي أخذت الكثير من جهد ووقت الملك المؤسس فقد وضع رحمه الله تنمية البلاد ورخاء العباد على قائمة اهتماماته وأولوياته ونرى ذلك في جهوده منذ سنوات التأسيس الأولى في دفع التنمية في كافة أنحاء الوطن حواضره وباديته التي خطط لأهلها ببعد وثاقب نظره مجمعات الهجر التي منحتهم فرص الاستقرار فيها بعيداً عن تنقلات الترحال المتعبة والمرهقة عانوا منها لأجيال متعاقبة. مشيئة المولى جلت قدرته في نشر الأمن وكثرة الرزق أضحت واقعاً ملموساً مع تدفق النفط شريان الاقتصاد العالمي فجعل المملكة الدولة الأهم والأكثر تأثيراً في الحياة الاقتصادية لعالمنا. قيضت ثروة النفط للملك المؤسس وكافة الملوك الذين عقبوه مقدرة لدفع جهود ومشاريع التنمية في كافة المجالات وفي كل ربوع الوطن الغالي من أقصاه لأقصاه. عقود تعد على أصابع اليد الواحدة أعادت تشكيل تنمية بلادنا بما يشبه المعجزة تم فيها تسخير ثروة النفط لتنمية متلاحقة في كل المجالات ولم تكن فيه كبر مساحة الوطن عائقاً في تحقيقها وهو الأمر الذي عجزت عنه الكثير من الدول التي حباها الله بنعمة ثروة النفط ومع ذلك خطت جهودها التنموية بخطى بطيئة ومتخبطة.
منذ سنوات التوحيد الأولى ومن بعد نظر ومعرفة بما تمثله المملكة من ثقل ومكانة لمحيطها العربي والإسلامي والدولي سعى الملك المؤسس في دعم حركات التحرر العربية من الاستعمار الأجنبي ومدها بالنصيحة والمال والسلاح وعرف أهمية الدعم السياسي لحل معضلات ومشاكل العالم وعليه وجه رحمه الله بتوقيع المملكة على ميثاق الأمم المتحدة لتكون إحدى الدول القلائل الموقعة على الميثاق لانطلاق المنظمة الدولية وعليه جعل دعم القضية الفلسطينية كأحد أهم ثوابت السياسة الخارجية للمملكة.
وضع الملك المؤسس رحمه الله استراتيجيات مشاركة المملكة الدولية من أجل الدفع قدماً بكل ما يعزز الأمن والسلم الدوليين وعلى كافة الأصعدة والمستويات وهو ما جعل وطننا يحظى بتقدير واحترام كل دول العالم. رؤي الملك المؤسس رحمه الله في دعم التنمية للدول الأقل حظاً في مواردها الطبيعية نراها تشكلت على أرض الواقع في السبعينيات من القرن المنصرم ومع انطلاق الخطة الخمسية الأولى لتنمية الوطن والتي تزامن انطلاقها مع تأسيس الصندوق السعودي للتنمية مما يؤكد بأن المملكة دولة استثنائية في دعهما للاستقرار العالمي فمع انطلاق تنميتها شرعت كذلك وعن طريق الصندوق في تنمية محيطها العربي والإسلامي حيث قدم الصندوق ومايزال معونات وقروضاً ميسرة بمئات المليارات من الدولارات لتنمية العديد من الدول العربية والإسلامية في المرحلة الأولى ثم لدول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا في مرحلة لاحقة. كذالك قدم الصندوق في السنوات القليلة المنصرمة ودائع لدعم عملات عدد من الدول الشقيقة شملت اليمن، العراق، مصر، لبنان، تركيا وتونس. المعونات السعودية لدول العالم متعددة مما يجعل المملكة من أكثر دول العالم مساهمة في تقديم المساعدات من خلال خمس قنوات هما مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الصندوق السعودي للتنمية، البنك الإسلامي للتنمية، الأمم المتحدة من خلال كافة منظماتها ووكالاتها والبنك الدولي.
لابد هنا من وقفة لتسليط الدور المحوري لإطلاق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والذي جاء بعد مرور بالكاد شهر ونصف من انطلاق عاصفة الحزم والتي تسبب في نشوبها الطرف الآخر الذي انقلب على التفاهمات اليمنية والإقليمية لحل الأزمة اليمنية سلمياً وبدأ بمناوشات على الحدود السعودية اليمنية، وجاء إطلاق المركز لتخفيف معاناة المدنيين اليمنيين من ويلات الحرب. المركز منذ تأسسيه مَوّل ما مجموعه 2453 مشروعاً في 92 دولة من دول العالم بتكلفة تجاوزت الـ 7 مليارات دولار كانت حصة اليمن الشقيق منها 3,5 مليارات دولار. الحديث عن دعم المملكة لليمن الشقيق حديث طويل وذو شجون وهو دعم لم يتوقف حتي في زمن الحرب والصراعات الداخلية اليمنية وهو دعم مستمر ومنذ عقود تتولى تنسيقه هيئة متخصصة وهي البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمني والذي أشرف على 143 مشروعاً تنموياً في كافة المجالات من صحة وتعليم وطرق ومياه ونزع ألغام بتكلفة تجاوزت الـ 17 مليار دولار والمملكة كذلك فتحت قلبها وحدودها وأسواقها للأشقاء اليمنيين للعمل في المملكة وسهلت لهم سبل الإقامة والتنقل حتي في زمن الحرب وهو الأمر الذي يشكل سابقة لم تقم بها دولة من دول العالم في زمن الحرب وذلك عن قناعة قيادة المملكة وشعبها بأن الروابط الأخوية القوية التي تربط المملكة باليمن هي روابط تاريخية متينة وقوية وعصية على الكسر.
الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة مثل اليونيسكو، الفاو - منظمة الصحة العالمية، اليونيسيف - تتلقى وباستمرار هبات ومساهمات سخية من المملكة لتمكن هذه الهيئات الدولية على العمل بكفاءة من أجل عالم مستقر وآمن وعليه تقدم المملكة دعم مستمر لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى(الأونروا) ولدرء مخاطر الإرهاب قدمت المملكة قبل سنوات تبرعاً بمائة مليون دولار لإنشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ودعمت المركز في الآونة الأخيرة بمبلغ 300 ألف دولار لتطوير الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب وتحتضن الرياض المركز الإقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذين قدمت لهم عبر المفوضية مساهمة بلغت 65 مليون دولار لإقامة مأوى ومشاريع طاقة في كل من باكستان، ماينمار وتايلند بالإضافة لمساعدات اللاجئين السوريين في كل من لبنان والأردن.
الطاقة وكونها القوة الدافعة لعجلة اقتصاد وتنمية الدول فقد ساهمت المملكة ولعقود في عملية توازن أسعار النفط فقامت ولسنوات بدور المنتج المرجح The Swing Producer، وهو الأمر الذي نتج عنه توازن بين العرض والطلب وبسعر برميل عادل للمنتجين والمستهلكين وكلف المملكة خسائر جمة بمليارات الدولارات وذلك إسهاماً منها في استقرار سوق النفط العالمية ودور المملكة في هذا المجال محوري ومهم للغاية لأجل استقرار أسعار النفط والذي لم يجد التقدير المتوقع من البعض بل التذمر غير المبني على حقائق سوق الطاقة وذلك عندما يكون هناك خفض للإنتاج ولمدد محدودة لرفع السعر بين الفينة والأخرى لتعويض خسائر عمليات الإنتاج المكلفة.
وتتويجاً لسجل المملكة الناصع في خدمة الإنسانية والسعي لحل المشاكل التي تواجهها أعلن صاحب الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء عن أربع مبادرات كبرى هي مبادرة السعودية الخضراء، الشرق الأوسط الأخضر والذي أثبتت الأحداث مدى أهميتها وضرورة تعاون الجميع لتنفيذها لخفض الاحتباس الحراري الذي تشهده الأرض بسبب الانبعاثات الكربونية والذي نراه ماثلاً أمام أعيننا مما شهده العالم من تقلبات مناخية عنيفة وغير مسبوقة نتج عنها فيضانات كارثية لم تنجُ منها كل قارات العالم وكانت أشدها في أمريكا، الصين، الهند، باكستان، تركيا، تشيلي، اليونان وليبيا التي دمر فيها الإعصار دانيال مدينة درنة بخسائر مرعبة في الأرواح والممتلكات. ولما تشكله المياه من أهمية قصوى لحياة الإنسانية أعلن سموه عن تأسيس منظمة عالمية للمياه مقرها الرياض تتولى مسؤولية كل ما يتعلق بالمياه من تمويل لمشاريعها والتحديات الناجمة عن نقصها وتبادل الخبرات والبحوث لتنميتها لما فيه خير الإنسانية جمعاء.
خلال ترؤس وفد المملكة لقمة العشرين في الهند أعلن سموه عن توقيع مذكرة تفاهم لمشروع ممر اقتصادي يربط بين كل من الهند والشرق الأوسط وأوروبا وعن هذا المشروع الذي سينقل التجارة والتعاون الاقتصادي بين مناطقه إلى مستوى متقدم ورفيع وغير مسبوق صرح سموه قائلاً» سوف يسهم في تطوير وتأهيل البنى التحتية التي تشمل سككاً حديدية، وربط موانئ، وزيادة مرور السلع والخدمات، وتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية».
سجل المملكة العربية السعودية، مملكة الإنسانية في تنمية العالم ودوله ذات المقدرات المحدودة والسبق في تخفيف المعاناة عن المتضررين من الكوارث الطبيعية هو سجل ناصع البياض بدأ منذ توحيدها ومستمر، سجل مُشرف يطول الحديث عنه ويتحدث عن نفسه بفخر يغيظ الحاسدين والمتربصين ودكاكين ما تطلق على نفسها ونشاطاتها المشبوهة بمنظمات حقوق الإنسان»...فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال».