عبدالله بن محمد أبابطين
يوم حافل لا ننساه عندما تشرفنا بحضور الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى منزلنا بروضة سدير، كان ذلك اليوم أحد أيام صيف 1327هـ عندما دخل الضيف العزيز إلى منزل الجد عبدالمحسن بن محمد أبابطين، اعتبرنا ذلك سجلًا مهمًّا يضاف إلى ما شهدته «قهوة» مجلس محمد بن عبدالمحسن أبابطين من الاجتماعات المهمة في مدينة روضة سدير، كانت كأحد النوادي الأدبية في وقتنا الحاضر، فمن أراد العلوم الشرعية وسِيَر المغازي وتاريخ الأجداد فليأتِ إلى هذا المنتدى.
وقد يطلع القارئ الكريم على بعض من الوثائق التاريخية التي بحوزتي عن علاقة الأجداد بأئمة آل سعود، بدءًا من الإمام فيصل بن تركي والإمام سعود بن فيصل وانتهاءً بقائد هذه الأمة ومؤسس كيانها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل «طيب الله ثراه»، هذه الوثائق نعتبرها شهادات نفاخر بها ونقدرها ولها في نفوسنا الأثر البالغ، ولا يزال وسوف يستمر بإذن الله حب هذه الأسرة كما كان أيام أجدادنا وفاءً وإخلاصًا.
واليوم ونحن نتشرف بزيارة موحد الجزيرة «عبدالعزيز» الذي كان يجب أن يطلق عليه دليلًا على أن شعبه أحبه واعتبره واحدًا منهم يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، فعندما زار الروضة كان شابًّا في مقتبل العمر أسمر قد أثرت فيه شمس الصحراء ورياحها، طويل القامة، مميزًا بين الرجال بطوله، صحيح الجسم، مهيب الطلعة في كلامه وحركاته، وكريمًا يحب مكارم الأخلاق، لا يغضب إلا إذا انتُهِكَت محارم الله، وإذا غضب اهتزت الأرض من تحته وأصاب من حوله الهلع والخوف، صبورًا شجاعًا متواضعًا، يكره العظمة والكبرياء خصوصًا على شعبه، يستقبل جميع زواره ببشاشة، ويشرف على توزيع إحسانه بنفسه، زعيم عظيم انهارت أمام عزمه وإقدامه الحصون واندحرت الجيوش، استطاع بذكائه وفطنته أن يسوس هذه الشعوب والقبائل المتنافرة ويكسب رضا واحترام الدول المجاورة حتى أذعنت له واحترمته، بكل هذه الصفات وغيرها استطاع أن يبني ويشيد دولة نحن الآن ننعم «بفضل الله ثم بفضل عبدالعزيز» بخيراتها.
أعود إلى مجلسه في قهوة «الجد عبدالمحسن أبابطين»، فبعد أن انتهى من الطعام طلب من أبناء الجد عبدالمحسن أن يقوموا بأداء العرضة النجدية أمامه، وقال لهم: يا عيال «احربوا» وهي كلمة معناها رقصة الحرب، فقد كانت في أيامه «يرحمه الله» حروب ومعارك استمرت ما يزيد على ثلاثين عامًا قادها بنفسه، وكم من مرة تعرض للإصابات والأخطار والجروح، كان يدير أموره الحربية بالكتمان، فلا يعرف العدو ولا أقرب المقربين إليه خطته إلا في آخر اللحظات، كان سياسيًّا محنكًا رغم أنه لم يتخرج في كليات عسكرية أو جامعات، بل علَّمته الحياة وشرف وأصالة المنشأ أن يوحد هذه البلاد المتناثرة والمتنافرة.
وفعلًا صعد إلى الطاية «السطح» من أجل الاستحمام، الملاحظ أن الإمام عبدالعزيز «طيب الله ثراه» طويل القامة فإن المغاسل «حمام السباحة» قصير تجاه طوله وعندما قام الخادم يصب الماء على جسده لاحظ أن هناك آثارًا في جنبيه، ولأن الخادم يصب الماء من المثعوبة «إناء خاص بالماء» هذا المنظر أرعب الخادم وقد يكون ارتجّت يده أثناء صب الماء، فنظر إليه الإمام عبدالعزيز وقال له: «وش بك، قال الخادم: يا عمي وش هالجروح في جسمك، رد عليه الإمام قائلاً: هذه من ركوب الخيل والمعارك».
حقًّا لم تأته الأمور على ما يشتهي، بل بالكفاح والصبر تحقق له ولأهل نجد ما تمناه.