د. سفران بن سفر المقاطي
مع استمرار البشرية في التقدم نحو القرن الحادي والعشرين، أصبحت قوة التكنولوجيا أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ويعد الذكاء الصناعي أحد أكثر المجالات الرائعة والواعدة للتقدم التكنولوجي المعاصر. لقد شق الذكاء الاصطناعي طريقه بالفعل إلى العديد من جوانب حياتنا، بما في ذلك وسائل الإعلام، من التقارير الإخبارية إلى إنشاء المحتوى، إذ يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير الطريقة التي نصنع بها وننشئ الوسائط. في حين أن البعض قد يكون متشككًا في هذه التطورات، إلا أنني مقتنع بأن الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام هائلة ولا يمكن إنكارها. فالذكاء الاصطناعي هو مجال علمي يهدف إلى تطوير آلات وبرامج قادرة على محاكاة القدرات البشرية في التفكير والتعلم والإبداع. وهو من أهم التقنيات المؤثرة في القرن الحادي والعشرين، وله تطبيقات عديدة في مختلف المجالات، منها وربما أهمها صناعة الإعلام.
وصناعة الإعلام هي المجال الذي يتولى نقل المعلومات والأخبار والآراء إلى الجمهور المستهدف، سواء عبر وسائل التواصل التقليدية مثل الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون، أو عبر وسائل التواصل الحديثة مثل الإنترنت والهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي. ويعتمد الإعلام على مصادر موثوقة ومحررين محترفين ومحتوى جذاب لجذب انتباه الجمهور وزيادة المشاركة. ويسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير صناعة الإعلام بطرق مختلفة ومتنوعة ومبتكرة، بعضها يتضمن:
1- توليد المحتوى، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء مقالات أو تقارير إخبارية بناءً على البيانات والمعلومات المتاحة. ويعتمد هذا النوع من الذكاء الصناعي على التعلم الآلي وتقنيات مثل تحليل النصوص والتحليل اللغوي، مما يتيح إنتاج محتويات ذات جودة عالية وبسرعة كبيرة.
2- تحسين المحتوى، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام تقنيات مثل التحسين البحثي والتخصيص والترجمة لتحسين جودة وانتشار المحتوى الإعلامي. وتساعد هذه التقنية في تحرير ومراجعة المحتوى لإزالة الأخطاء الإملائية أو النحوية وغيرها، وفهم اهتمامات وسلوكيات الجمهور لتقديم محتوى مناسب له، وترجمة المحتوى إلى لغات مختلفة لزيادة نطاق التأثير.
3- رصد المحتوى، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام تقنيات مثل التحليل الإحصائي والبصري والسمعي لرصد وتحليل المحتوى الإعلامي. وتسهم هذه التقنية في قياس أداء المحتوى من حيث عدد المشاهدات أو التفاعلات أو التأثير، وكشف المحتوى المضلل أو المزيف أو المخالف لأخلاقيات المهنة، واستخلاص المعرفة والأفكار من المحتوى لزيادة قيمته
4- التوصيات الشخصية باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتوفير توصيات شخصية للمستخدمين بناءً على اهتماماتهم وتفضيلاتهم. ويساعد هذا في تقديم محتوى ملائم لكل مستخدم وزيادة التفاعل.
5- البحث الصوتي والمساعد الصوتي باستخدام تقنيات التعرف على الكلام والتحليل اللغوي لتمكين المستخدمين من البحث عن المعلومات والاستفسارات من خلال التفاعل الصوتي مع المساعد الذكي.
6- التوجيه الآلي حيث يعتمد الذكاء الاصطناعي على التعلم العميق لتحليل مقاطع الفيديو والصور وتحديد الموضوعات والكلمات الرئيسية والمشاهد المتعلقة بالمحتوى، مما يسهل عملية البحث والعثور على مقاطع الفيديو والصور ذات الصلة.
7- الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وذلك بدمج تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الواقع الافتراضي المعزز من أجل إنتاج تجارب إعلامية مبتكرة وتفاعلية لتحسين تجربة المستخدم بتقديم محتوى احترافي مرئي وتفاعلي مبتكر.
8- التحليلات والتنبؤات، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة واستنتاج الاتجاهات والأنماط المختلفة في المحتوى وسلوك المستخدمين. وذلك يساعد على تحسين فهم الاتجاهات الإعلامية وتوجيه الاستراتيجيات بشكل أفضل.
9- الرصد والتعرف على الأخبار الزائفة، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في رصد وتحديد الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة عبر الإنترنت. إذ من سمات الأنظمة المبنية على التعلم العميق والذكاء الصناعي تحليل النصوص والصور والمصادر لتحديد مدى موثوقية المحتوى والحد من انتشار الأخبار المضللة والزائفة.
10- يساعد الذكاء الاصطناعي الشركات والمؤسسات الإعلامية على تخصيص محتواها وتحسين تجربة المستخدمين من خلال تحليل بيانات المستخدمين، ويمكن للذكاء الاصطناعي تقديم توصيات محتوى مخصصة، والتنبؤ بسلوك المستخدمين، وتقديم إعلانات مستهدفة. ويزيد هذا النهج المخصص لتقديم المحتوى من تفاعل المستخدم وولائه ورضاه على المدى الطويل، مما يؤدي إلى زيادة في الإيرادات والربحية.
11- يساعد الذكاء الاصطناعي الشركات الإعلامية على أتمتة المهام وتقليل التكاليف، حيث يمكن للشركات أتمتة المهام مثل خدمة العملاء، وتعديل المحتوى، وتحليل البيانات. مما يقلل من الحاجة إلى التدخل البشري، ومن ثم توفير الوقت والمال.
12- يمكّن الذكاء الاصطناعي الشركات والمؤسسات الإعلامية من اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات، من خلال تحليل البيانات، إذ يقدِّم رؤى حول سلوك المستخدم وأداء المحتوى واتجاهات السوق. وتسهم هذه المعلومات المهمة في مساعدة الشركات الإعلامية على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إنشاء المحتوى والتسويق وتحقيق الدخل وخفض التكاليف.
وفي الختام، فإن تأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة الإعلام أصبح ملموس وكبير جدا لتوفيره إمكانيات جديدة للنمو والابتكار وذلك لتمكينه للشركات والمؤسسات الإعلامية باتخاذ قرارات عملية وسريعة ومفيدة لأنها تعتمد في الغالب على البيانات والمعلومات الدقيقة. لذلك يلاحظ، أن معظم الشركات والمؤسسات الإعلامية سارعت في تبني تقنيات وبعض أدوات الاذكاء الاصطناعي والاستفادة من قوتها ودقتها وسرعتها للبقاء في صدارة المنافسة في سوق صناعة الإعلام.