د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يؤكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في جلسة حوارية ضمن مؤتمر الطاقة العالمي بعنوان إمداد العالم بالطاقة بطريق مسؤولة في كالغاري بكندا أنه على أسواق الطاقة العالمية التركيز على أمن الطاقة لأنه الركيزة الأولى لاستدامتها، وشبه سلوك أوبك + ببنك مركزي، وحذر العالم إذا لم يتم التخطيط الجيد لسلاسل الإمدادات فإنه يخرج من أزمة طاقة لأخرى، كما حذر أمين الناصر رئيس أرامكو من تفادي أزمة طاقة أكثر خطورة فيما يتعلق بتحولات الطاقة بين شمال العالم وجنوبه، وطالب بخطة عالمية للتحول نحو الطاقة النظيفة تتسم بالواقعية والتوازن وتنويع مصادر الطاقة التي تشتمل عليها بحيث لا تنحاز لمصادر على حساب مصادر أخرى. خصوصا أن هناك فوارق بين أولويات الشمال وأولويات الجنوب، فالشمال يمتلك معايير عالية الجودة في جودة الحياة المرتكزة على الاستدامة البيئية، بينما في الجنوب يركزون على تأمين لقمة عيشهم، ما يعني أن هناك فجوة هائلة بين أولويات الشمال وأولويات سكان الجنوب، ما يجعل أوبك تدرك تحدي القضاء على فقر الطاقة الذي يواجه العالم، والوفاء بالطلب المتزايد عليها، والتأكد من توفيرها بسعر ميسور مع تقليل الانبعاثات، وأوبك لا تستبعد أيا من مصادر الطاقة أو تكنولوجياتها، وتعتقد أنه يتعين على جميع الأطراف المؤثرة انتهاج نهج مماثل وإدراك الواقع في قطاع الطاقة على المديين القصير والطويل.
حيث ينادي الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول العالم بالاستيقاظ لحقيقة أن الطلب العالمي على النفط سيصل ذروته قبل نهاية العقد الحالي، أو الإيحاء بأنه في بداية النهاية، أمر بالغ الخطورة وغير عملي، نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز، إذ تلك التوقعات ما تصحبها دعوات للتوقف عن الاستثمار في مشروعات النفط والغاز الجديدة، مما جعل أمين عام أوبك هيثم الغيص يصدر بيانا للرد على توهمات بيرول التي لا تؤيده التوقعات المتسقة والمستندة إلى بيانات.
تطرق الغيص إلى أن الوقود الأحفوري يشكل اليوم 80 في المائة من مزيج الطاقة العالمي كما كانت قبل 30 عاما وهي نفسها ستكون في عام 2030 رغم كل ما استثمرته الدول الغربية في الطاقات البديلة، مما سيؤدي إلى فوضى في قطاع الطاقة ربما على نطاق غير مسبوق، وستكون له تبعات خطيرة على الاقتصادات ومليارات البشر في جميع أنحاء العالم، حيث أظهرت بيانات أوبك احتمال حدوث عجز في إمدادات السوق العالمية بأكثر من 3 ملايين برميل يوميا خلال الربع الرابع الأخير من 2024، وهو ما يمكن أن يكون أكبر عجز منذ أكثر من 10 سنوات.
لو نظرنا إلى الصين بمفردها فقد أظهرت بيانات رسمية أصدرتها الهيئة الوطنية للطاقة وخلال ثمانية أشهر من يناير إلى أغسطس 2023 شهدت الصين زيادة بنسبة 5 في المائة في حجم استهلاك الطاقة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق ليصل الحجم إلى 6.08 تريليون كيلوواط/ساعة وازداد حجم استهلاك الطاقة في الزراعة بنسبة 8.6 في المائة على أساس سنوي، فيما ازداد نظيره في قطاعي الصناعة والخدمات بنسبة 7.6 في المائة و6.6 في المائة على التوالي.
كذلك أكد مسؤول صيني في منظمة التنمية والتعاون للترابط العالمي للطاقة جيدكو أن مبادرة الترابط العالمي للطاقة التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينج في قمة الأمم المتحدة للتنمية التي عقدت في سبتمبر 2015 قد تطور من مبادرة صينية إلى حلول عالمية تسهم في تعجيل تحول الطاقة والتنمية المستدامة للعالم، ما يدفع بناء الترابط العالمي للطاقة قدما بخطوات واسعة.
كان هناك توقعات في العقود الماضية إلى أن يصل العرض والطلب إلى الذروة لكن لم يتحقق أي منها، لأن مثل تلك التنبؤات خطيرة وهدفها إيقاف مشاريع النفط والغاز وتحويلها إلى مشاريع الطاقة النظيفة التي لم تثبت حتى اليوم أنها قادرة على أن تحل محل الوقود الأحفوري، وهو مدفوع أيديولوجيا لأنه غير مبني على حقائق، لم يأخذ في حسبانه التقدم التكنولوجي الذي تواصل الصناعة تحقيقه في حلول المساعدة في تقليل الانبعاثات، وكذلك الابتكار التكنولوجي لدى السعودية بشكل خاص التي توصلت إلى تخزين الكربون واقتصاد الكربون الدائري.
أدركت عديد من المجتمعات الحاجة إلى أهمية تحقيق أمن الطاقة والتنمية الاقتصادية جنبا إلى جنب الحد من الانبعاثات وقد أدى هذا بدوره إلى إعادة تقييم بعض صانعي السياسات لنهجهم في انتقال الطاقة، ومن أجل استقرار الطاقة العالمي الشامل في المستقبل ستواصل أوبك التعاون مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين لتعزيز الحوار، الذي يشمل وجهات نظر الشعوب جميعها، وذلك لضمان تحولات الطاقة الشاملة والفاعلة للمضي قدما.
استمرت تقلبات أسعار النفط الخام، وسط دعم واسع من خفض إنتاج تحالف أوبك + بقيادة السعودية وروسيا وعودة الضغوط الهبوطية مع ظهور ارتفاع غير متوقع في المخزونات الأمريكية مع إعلان إدارة معلومات الطاقة عن زيادة المخزون بمقدار أربعة ملايين برميل في 8 سبتمبر 2023 وذلك مقارنة بسحب قدره 6.3 مليون برميل في الأسبوع الذي سبق زيادة المخزون، واستئناف العمل في الموانئ الليبية بعد تعطل بسبب الإعصار، ويحافظ ارتفاع أسعار النفط على مزاج حذر بشكل عام، لكن توقعات وكالة الطاقة الدولية أن تزداد تقلبات أسعار النفط نتيجة لتخفيضات إمدادات أوبك + الأخيرة.