عبده الأسمري
ما بين عناوين «الصلاح» ومضامين «الفلاح» برع في «الخط» فرسمت أنامله «الحروف» بحرفية «الماهر» واحتراف «الباهر» حيث طوع «القلم» وسخر «الحرف» وجمل «العبارة» ورسم «الجمال» في ضياء مكتوب أشبع البصر بأناقة المشهد وملأ النظر بفخامة المنظر.
رفع «راية» المهنية وحقق غاية «الاحترافية» بأنامل كتبت «الشهادتين» على «علم» الوطن ورسخت «البصمتين» في «قلب» التاريخ فكان ابن «المهنة» البار وفارس «الوطنية» المغوار الذي حول «المهارة» الشخصية إلى «جدارة» ذاتية حصد بها «مغانم» الأثر ونال بها غنائم «التأثير».
امتطى «صهوة» الخطوط فكان الفاعل المرفوع بالمهمة الذي تحولت حروفه إلى «منهجية» مكتوبة اكتملت بدراً في سماء «الفخر» ونطقت جهراً في أمضاء «الشرف».
لم يلاحق الأضواء ولكن شعاع عمله كان «الإجابة» المؤكدة و»الكتابة» الخالدة في كل محافل الوطنية ومآثر «المهنية « أنه خطّاط العلم السعودي صالح بن سعد المنصوف رحمه الله الذي حدَّث أسلوب كتابة الشهادتين والسيف على بيرق التوحيد، قبل أكثر من نصف قرن بوجه وطني مسكون بالألفة والتآلف تظهر عليه سمات الوقار والاستقرار وتسمو وسطه معاني السكينة والطمأنينة وعينان تلمعان بنظرات «اليقين» وتسطعان بلمحات «التروي « مع تقاسيم يطغى عليها الهدوء تتكامل مع أسرته وتتماثل مع عائلته وشخصية ودودة الطبع لينة الجانب جميلة الطباع لطيفة التواصل تتقاطر أدباً وتهذيباً مع صوت محفوف بعبارات بيضاء تتوارد منها لهجة نجدية ولغة ندية تعتمد على التخصص وتتعامد على الاختصاص وكاريزما مسجوعة بطيب التعامل وجميل التواصل ومخزون حرفي ومكنون احترافي صنعته موهبة الذات وصقلته مثوبة الاثبات وخبرة ضليعة في عوالم الخط قضى المنصوف من عمره عقود وهو ينسج «الإبداع» في الشهادات ويرسم «الامتاع» وسط اللوحات بخطوط فريدة ومنفردة حاصداً المكانة والأولوية والبراعة في كتابة الشهادتين على راية التوحيد بالعلم السعودي ليبقي «المشاهد» ناطقة و»الشواهد « سامقة في عالم الخط بخبرة مشرقة في مقامات المبدعين ومسيرة مضيئة في قوائم الحرفيين.
في الرياض عاصمة العز وحاضنة التاريخ وحاضرة المجد ولد في مساء ربيعي اكتملت فيه «مراسم « البهجة» وسط أبوين كريمين اشبعا قلبه بعزائم «التوجيه» وموجبات «النصح» وارتهن طفلاً إلى معاني «الجود» في مجلس والده ومعالم «الحنان» في حضن والدته فظل يكتسب من أبيه سمات المروءة والشهامة ويكسب من أمه دعوات التوفيق والتفوق فكبر مكللا بتربية ناصحة فالحة ناجحة أتمها بامتياز على طاولات الدراسة واعتزاز في مواقع المسؤولية عبر دروب حياة تواءمت ما بين الأنين والحنين وتكاملت ما بين اليقين والتمكين.
انطلق مع أقرانه في شوارع العاصمة مراقباً «نداءات» القادمين على أجنحة «السفر» ومرتقباً «صيحات» المنتظرين أمام عتبات «الرزق « منصتاً لأحداث «الرجولة « واحاديث «البطولة « في مجالس «النجديين « مستمعا إلى قصص المعرفة وحكايات الثقافة في شوارع الثميري وأحياء دخنة ومنفوحة والناصرية مستنشقا عبير ليالي نجد الذهبية متشربا أثير نسمات العارض الندية مقتنصا من وجوه «البسطاء « في حوانيت بلدته ملامح «الرضا» مولياً قبلة أمنياته شطر «التعلم» محتفظا بقصاصات حوارات «العظماء « التي عثر عليها في مكتبات نجد العتيقة وظلت دروسا يومية تعلم منها ضرورة «الصبر» وحتمية «الجبر».
ظل المنصوف في «سباق» مع بعد نظر اعتمر وجدانه وموهبة غمرت داخله حيث بدأ ينتج بروفاته «الأولى» كل صباح على «سبورة» مدرسته الخضراء بالطباشير البيضاء التي كانت ريشته التي رسم بها لوحات خطية كانت بمثابة «الضياء» الأول الذي استنار به على «خزائن» الانفراد واستمر يكتب خطوطه كل مساء على كشكوله «الملون» الذي تحول إلى «مشهد» بديع من الكتابة كان بمثوبة «الإمضاء» الأمثل الذي قاده إلى «كنوز» السداد.
انتظم في بداياته بمدارس تحفيظ القرآن الكريم ثم انتقل للدراسة الابتدائية في مدرسة جبرة ثم التحق بالمدرسة المتوسطة الثانية ثم درس في معهد الخط العربي وحصل على دبلوم في الخط العربي العربي والزخرفة الإسلامية وعمل عام 1380 في مكتب له والتحق بمصنع وطني ثم عمل في الإدارة العامة للكليات والمعاهد وتعين مدير تحرير معهد إمام الدعوة والمعهد العلمي بالرياض ثم عمل بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مأموراً للعلاقات العامة إلى أن تقاعد.
خلال عمله الدؤوب في الخط العربي كتب شهادات عدد من الخريجين في جامعة الإمام محمد بن سعود بخط يده في منظومة كتابية رائعة واستعانت به أمانة منطقة الرياض ليتولى مهمة الخط على اللوحات الخاصة بالاحتفالات والمناسبات الرسمية على امتداد الشوارع والميادين ولا تزال بصماته حاضرة في «أرشيف» القطاعات المختلفة وقد ساهم في تصميم بعض اغلفة المجلات وشعارات عدة جهات.
وكانت نقطة التحول في حياة المنصوف كتابته للشهادتين في العلم السعودي على الراية والتي كانت تحاك بوضع القماش على نفس العَلَم ثم خياطته على شكل الشهادة وقص الأطراف الزائدة منه حتى تبرز الحروف.
وبعد ان كبر حجم العلم طلب من المنصوف تصميم الراية بشكل يجعل من الأسهل حملها وقام بذلك عام1961 م وصمم الراية على نفس شكلها، باستخدام قماش أخف، وخط حروف الشهادتين بالصبغ الأبيض ورسم السيف تحتها ووضع بصماته في الراية السعودية حيث تم اعتماد رسم الشهادتين الذي خطه المنصوف منذ عهد الملك فيصل رحمه الله والتي لا تزال حاضرة حتى الآن.
انتقل المنصوف إلى رحمة الله يوم الجمعة 10 مارس 2023 عن عمر يناهز 86 عاماً، إثر تعرضه لوعكة صحية، قبل يوم واحد فقط من الاحتفال بيوم العلَم 11 مارس واكتظت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الاعلام المقروء والمسموع والمرئي بالخبر الذي ارتبط بما قدمه من اعمال ظلت شاهدة على التميز وصامدة رغم التغير.
في مقامات الأعمال الوطنية ومسارات الأفعال المهنية ووسط «الذاكرة « المشرقة المسجوعة بالأولويات والمشفوعة بالمبادرات ترسخ اسم «المصنوف» في منصات «العز» وأمام «اضاءات» التتويج وفي «استذكار» التكريم مقترناً بمناسبات الوطن وقريناً باحتفالات البلاد.
صالح المنصوف، الاسم القدير في «عالم» الخط والصدى اللامع في «معالم» الكتابة كبير الخطاطين وخطاط الشهادتين صاحب السيرة الزاخرة بالنبل والمسيرة الفاخرة بالفضل.