د. عبدالعزيز بن حمد القاعد
ارتفعت راية حقوق الإنسان في العقود الأخيرة من خلال اهتمام مختلف الأنظمة خصوصًا في ديننا الإسلامي الحنيف الذي رفع من مكانة الإنسان وحقوقه وأعلى شأنه، قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.
حيث يُعَدُّ تطور حقوق الإنسان في العصر الحديث وخصوصاً في العقود الأخيرة من أهم المنجزات الحضارية والإنسانية، بل وفي إطار العلاقات الإنسانية هي عبارة عن تضامن المجتمع الدولي حول أعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
ببساطة عرَّف برجونتال حقوق الإنسان على أنها «القواعد المتعلقة بحماية الأفراد والجماعات ضد انتهاكات الحكومات للضمانات الدولية المتعلقة بتلك الحقوق، وكذا القواعد المتعلقة بترقية وتعزيز هذه القواعد».
هذه الحقوق عالمية الصبغة ومترابطة وغير قابلة للتجزئة.
ولعل هذه الخصائص مجتمعة تكفل أعمال حقوق الإنسان سواء كانت مدنية وسياسية أم حقوقاً اقتصادية واجتماعية وثقافية.
وعليه فإن ثقافة المجتمعات تَبني هوية تُعزز حقوق الإنسان وترفع من مقامها وتحدد الأُطر الأخلاقية لهذه الحقوق.
على الجانب الآخر، فكل أمة لها ثقافة تُبنى عليها هويتها، وثقافتنا -ولله الحمد والمنة- كانت أكثر إشراقاً قبل سطوع نجم حقوق الإنسان كتعاليم وقوانين مُسطرة وبمفهومها الحالي، حيث التعايش والتسامح هي السمة الغالبة في التعامل بين الأفراد والجماعات على الأُطر والأصعدة كافة.
الجدير بالذكر هنا، أن ثقافة الأمة (أي أمة)، وكما يُعرفها الكثير، هي عبارة عن مجموعة من الآراء والمُعتقدات والمعارف والقيم الأخلاقية، وكذلك العادات والتقاليد التي يكتسبها الأفراد جراء انتمائهم إلى مجتمع معيَّن، وبذلك تعمل على تهذيب الطبيعة البشرية التي جبل الله الناس عليها، ما جعل الخصوصية الإنسانية ترجع إلى المحيط الجغرافي، الاجتماعي، والتاريخي الخاص بهذه الثقافة أو تلك، بحيث يحمل كل فرد من أفرادها تصورات وآراء ومعتقدات متراكمة عبر أجيال وحقب زمنية وقد غدت تتميز به عن غيرها.
وهذا التميز لا شك أنه مرتبط بما جاوره من ثقافات أخرى متنوعة.
وبالرغم من تشكل الثقافة من المادة والروح إلا أن ارتباطها بالإنسان جعلها مختلفة عن نتاجات البشرية الأخرى، فالظروف الحياتية المختلفة الزمانية والمكانية تعرك الإنسان وتضعه على المِحك ويكون من نتاجها ثقافة هو صانعها، وهذا ما يجعلها تحصر المُنجزات الإنسانية كأنماط الحياة، التفكير، السلوك البشري، العادات...إلخ، وتكون سهلة الانتقال من السلف إلى الخلف، وقد تندثر ولا يتبقى منها إلا المعالم الرئيسة فقط.
ولعل وسائل الاتصال الحالية وتطورها ونقلتها النوعية الحالية من الإنترنت ووسائل اتصال عصرية أسهمت في تحويل الثقافات من المحلية إلى العالمية.
وبالرغم من أن لكل زمان ومكان ثقافة خاصة به إلا أنها تبقى متجذرة في الإنسان حيث تتبلور لديه نماذج للتفكير والسلوك ارتبطت به وأصبح وفياً لها، ما جعله يلبس أثوابها بل هي تُفصله على هواها، وبذلك يُصبح التغيير من ثقافة إلى أخرى عُرضة لمجموعة من التحولات الجذرية في السلوك الإنساني.
الجدير بالذكر أن الاعتقاد السائد في الغرب بعامة -جهلاً منهم- أنهم أفضل من يعرف بحقوق الإنسان، وأنهم أدرى بحقوقه في الدول الأخرى، بل أعلم حتى من أهلها، وبذلك يصرون على أن طريق الديمقراطية هو الطريق الأوحد والمناسب لكل بلد لإعمال حقوق الإنسان بغض النظر عن ظروفه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بينما حقوق الإنسان غالباً تتمثل في مقومات الحياة الأساسية والتي تتمثل بتوفير الغذاء وفرص العمل وسيادة الأمن ومعالجة الأمراض والأوبئة.
من جانب آخر، نجد أن الغرب بعامة وعلى رأسها الولايات المتحدة يركز دائماً على الحقوق المدنية والسياسية، ومع ذلك لم تعترف الولايات المتحدة حتى بالجيل الثاني وهي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فعلى سبيل المثال نجد أنها -أي الولايات المتحدة -لم تشارك في ست من ضمن تسع من الاتفاقيات الدولية، يضاف لذلك الكثير من المثالب التي يعاني منها المجتمع الأمريكي وعلى مستويات اجتماعية مختلفة.
وبالمقارنة، لو أخذنا تجربة المملكة الرائدة في أعمال حقوق الإنسان كغاية لوجدنا أن المملكة قد قطعت شوطاً طويلاً في هذا المضمار بداية من تأسيس هيئة لحقوق الإنسان مرتبطة بالملك- حفظه الله - مباشرة، مرورًا بتوقيع المملكة على خمس من الاتفاقيات الدولية التسعة: اتفاقية حقوق الطفل، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، إضافة إلى الإصلاحات التي تتعلق بحقوق الإنسان والتي تجاوزت المائة إصلاحاً ما بين تشريعية وقضائية ومؤسسية، ناهيك عن المشاركة الفاعلة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وانتهاءً بتعيين إدارة جديدة لهيئة حقوق الإنسان والتي تشكلت من رئيس ونائب ومساعد للمرة الأولى، بقيادة معالي د.
هلا بنت مزيد التويجري صاحبة التجربة الثرية على المستوى الأكاديمي والأسري والمفعمة بالنشاط والحيوية، والتي أحدثت نقلة نوعية في تشكيل هيئة حقوق الإنسان بالمملكة وتصوراتها المستقبلية في فترة قصيرة لم تصل السنة، مع الجدية في أداء أعمالها المناطة بها.
هذه التجربة الثرية تهدف في حقيقتها إلى ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في المجتمع السعودي كغاية تنعكس إيجاباً على كل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة، بل إن المملكة لا تسعى كغيرها من الدول إلى الترويج لأمر مخالف للواقع المُعاش والأدلة في هذه المجالات كثيرة، وليس بأقلها جهود المملكة الإنسانية دون تمييز أثناء جائحة كورونا والتي أشاد بها القاصي والداني.
مثل هذه الجهود تعكس مصداقية المملكة في أعمال حقوق الإنسان كحق لكل مواطن ومقيم دون أن تأخذ ثمناً مقابل ذلك.
وفي خضم الرغبة والحاجة الماسة والحماس لتحول مؤسسي سريع ومتوازن الخُطى ينقل هيئة حقوق الإنسان من هيئة نامية إلى هيئة حقوقية عالمية ذات تجربة ومصداقية ومراس، تمت إعادة هيكلة الهيئة إدارياً بناءً على معطيات التحديث وبأدق التفاصيل ما سينعكس إيجاباً على البرامج المرسومة ودقة تنفيذها وبأعلى المواصفات.
وفي الطريق لتحقيق الأهداف المرسومة، تعمل رئاسة الهيئة جاهدة على سرعة تنفيذ وتوظيف إستراتيجية الهيئة وخططها المتنوعة بكل جدية واقتدار وبما تحمله هذه الإستراتيجية وخططها من مضامين التوزيع الأمثل للموارد المُتاحة على القنوات الأكثر إنتاجية وبطرق كفؤة وفعّالة وبما يتكامل ويخدم إستراتيجية المملكة الوطنية المرسومة لحقوق الإنسان.
** **
- عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان