أمين شحود
قلت له ناصحاً ومحذراً: انتبه «مو كل جرّة تسلم المرّة» فانفجر ضاحكاً ونسي التحذير، وفي إحدى المرات دخلت المصعد فبدلاً من إلقاء التحية قلت بسم الله الرحمن الرحيم، ثم سألته مشيراً بأصبعي السبابة: طالع تحت؟ فأجاب: لا والله.. نازل فوق!
التكليج.. وما أدراك ما التكليج، كلمة شعبية تستخدم في السعودية والخليج، وتعني الأخطاء في نطق الكلام بغير قصد.
في المعاجم لم ترد كلمة «تكليج» وفق المعنى السائد، بل وردت مفردة «كَلَج» بمعنى الكريم الشجاع، أما «الكِيلَجَة» فهو المكيال، بينما «الكليجا» أكلة معروفة تنشر البهجة والسعادة لآكليها وصانعيها وحامليها والمحمولة إليهم.
ومواقف «التكليج» كثيرة قليل منها يمر مرور الكرام، وأغلبها لا ينسى وإن مرت الشهور والأعوام.
والعجيب أنك تكون في جَمعٍ فتتكلم بما فتح الله عليك فلا يكاد يلتفت إليك أحد، ولكنك إذا كلّجت فالأعناق تشرئب إليك فجأة والأبصار تمتد نحوك بغتة، ويعم الصمت ويسود الهدوء فتُسمع تكليجتك بصفاءٍ ويُشاهد وجهك المُحمّر بوضوح حتى يُخيّل إليك وكأن كل الضجيج الذي كان موجوداً قد توقف لاستقبال تكليجتك.
وهنا تبدأ الهمزات واللمزات والضحكات والتعليقات، وأحسنهم حالاً هو الذي يتغاضى عنها كأن لم يسمعها وهو الصديق الصدوق، ولكن صادق الوعد هذا يكتم في داخله ضحكة مدوّية لم يظهرها احتراماً لك أو شفقة عليك فيصمت فمه ويهتز جسده، ويستغل أقرب فرصة للتنفيس وإلا انفجر بركان ضحكه.
يأتي «التكليج» نتيجة الخوف أو التردد أو التوتر أو التشتت أو الحماس أو الاهتمام الزائد بمَن نتكلم أمامهم، وأحياناً عند التفلسف دون علم، وأجمله ذلك الذي يأتي بعفوية عندما تفيض مشاعر الحب والاشتياق كما قال الشاعر:
يوم ودعني تلعثم في كلامه
وشفت فـعيونه دموع الحب حيّه
ما قويت أقول له مع السلامه
قلت من زود الألم يالله حيّه
وعيب «التكليج» أنه ينسف موضوعك وإن كان درراً، ويقضي على كلماتك وإن كانت حِكماً، ومن تصالح مع نفسه عرف أن العبرة في مضمون الخطاب لا فصاحة الأسلوب، ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
قال حكيم: يا بني إياك و»التكليج»؛ فإنه يُسقط الهيبة ويُذهب الوقار ويُضعف الحُجّة ويُجرّئ سفهاء القوم عليك، فإن ديدن الناس تعقب الخطأ وترصد الزلات.
فإذا كلّجت فلا تحاول ترقيعها أو تداركها، بل واصل كلامك وابتسم ابتسامة بلهاء لعلها تشغل السامعين والشامتين عن تكليجتك، فإن لم ينشغلوا فلا تبالِ بهم، فإنّ التغافل من شيم الأقوياء.
إن ثقة الشخص بعد تكليجته قد تنخفض بمقدار الضعف؛ لذا من المهم في مرحلة (اكتئاب ما بعد التكليج) الاستعانة بالمختصين، أو الجلوس على شاطئ البحر، أو ممارسة التأمل، أو الحجز للسفر على أرحل قِربة، أو دفن جسدك بالذهاب الرملية!