سارا القرني
قبل كتابة مقالي اليوم.. تستعد الرياض لاستقبال عرس ثقافي جميل، وهو «معرض الرياض الدولي للكتاب» في دورته الجديدة 2023م، وفي كل عام يكون العرس الثقافي أبهى.. ورواده أكثر، وهو ما يطرح تفاؤلاً أكبر نحو مستقبل ثقافي واعٍ لشباب وشابات المملكة والوطن العربي.
كنت من المحظوظين في السابق ولا زلت بحضور هذا المعرض، وكنت في كل مرة ألمس تغيّراً ملحوظاً نحو الأفضل، سواءً في التنظيم أو التسهيلات المقدمة للناشرين وللزوار، وكذلك الفعاليات المصاحبة للمعرض والتي تنوعت بما يناسب الأعمار وكذلك الأذواق.
في معرض جدة 2022م حضر فنّ المانجا والكوميكس بقوة.. حدّ أنّ العرض الغنائي لشارات أفلام الكرتون القديمة كان حاضراً ووجد تفاعلاً كبيراً من الزوار، وكانت مفاجأة جميلة ورائعة ولفتة عبقرية من وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة.
في السابق.. كانت معارض الكتب لدينا جامدة ومكررة تقريباً، ولعلّ أهمّ الأسباب التي أدّت إلى جمودها هو الرقابة العشوائية أو المزاجية على الكثير من الكتب بناءً على عنوانها وبعيداً عن محتواها، أما اليوم.. فإنّ الرقابة تمثل دون مبالغة 70 % من نجاح المعرض، حيث يجد الزائر ضالته دون الخروج متذمراً كما كان سابقاً.
وبما أنّ الانفتاح الثقافي لا يعني السماح بما يخالف الدين والأعراف وتعاليم المجتمع، فإنّ الرقابة مشكورة قد أعادت النظر في معايير تقييمها للمواد المفسوحة، وهو أمر نشيد به ونشكرهم عليه، بعد أن انتقدناه سابقاً.
معرض الكتاب هذه السنة.. سيكون ملاذاً خيالياً لرفيق الكتب، حيث راقبت منذ فترة أخبار الناشرين وإصداراتهم لهذا العام، وقد أضاءت العناوين برونقها والأسماء الرنانة التي تزيّن تلك الأغلفة، موعودون نحن بوجبة قراءة دسمة قد ينتهي العام ولا ننتهي منها.
كلّ هذه المقدمة كانت لأصل لأمرٍ لا زال يؤذي مرتادي المعرض ويسعد الناشر.. وهو ارتفاع الأسعار، حيث إنّ الأسعار الخيالية التي تباع بها بعض الكتب لا يمكن تصديقها، وهو أغلى بالطبع من ثمنه الأصلي خارج المملكة أو حتى في المكتبات السعودية، وقد حاولت الهيئة مشكورة الحدّ من هذه التلاعبات.. لكنها لا زالت موجودة، وهنا أستغرب لماذا لا يستغل الذكاء الاصطناعي للحد من هذه المبالغات؟
في ظلّ وجود الإمكانيات وتوفر العقول الرائعة في دولتنا ولله الحمد.. لماذا لا تستغل هيئة الأدب قاعدة «بيانات الأسعار» للمكتبات العملاقة في المملكة لتطابقها بقائمة الكتب لكل ناشر، ويمكن للذكاء الاصطناعي استخراج الفوارق بسهولة، ويمكنه كذلك جمع البيانات من مواقع الناشرين الرسمية ومقارنتها بقوائمهم التي يشاركون بها في معرض الكتاب، وسيجدون أنّ الفرق هائل، فليس من المعقول أن أجد كتاباً في موقع أحد الناشرين بـ 100 جنيه أي عشرة ريالات.. وأتفاجأ به في المعرض بـ 80 ريالاً، وليس من المعقول أن أجد كتاباً بـ 8 دولارات أي 30 ريالاً.. وأشتريه من المعرض بـ 69 ريالاً شاملة ضريبة القيمة المضافة.
قليلاً من الفكر يا هيئة الأدب.. وقليلاً من استغلال الموارد لتكتمل اللوحة العملاقة التي صنعتموها لتتويج كلّ المجهودات الجبارة للعرس الثقافي الأكبر بالمملكة «معرض الكتاب الدولي».
بالطبع لا ننكر مجهودات الهيئة لأننا نلمسها على أرض الواقع، لكننا كذلك لا نقبل الجشع من الناشر الذي ينظر للقارئ السعودي بأنه «محفظة مالية متنقلة».