د. تنيضب الفايدي
المواقيت جمع ميقات، وهو الوقت المحدد لأداء الفعل، وفي الاصطلاح الشرعي هو زمان أداء عبادة الحج وموضع الإحرام لها، وسميت مواقيت لأنها وقتت، وتنقسم مواقيت الإحرام للحج التي حددها الشارع إلى قسمين : القسم الأول: المواقيت الزمانية وقد بينتها الشريعة حيث قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}، والقسم الثاني المواقيت المكانية، وهي أيضاً محددة بتحديد النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأصل فيها ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: وقّت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجدٍ قرناً، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ثم قال: هن لهن ولمن أتى عليهن مِن غيرِ أهْلِهِنَّ لِمَن كانَ يُرِيدُ الحَجَّ والعُمْرَةَ، فمَن كانَ دُونَهُنَّ، فَمُهَلُّهُ مِن أهْلِهِ، وكَذاكَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها. إذاً المواقيت المكانية هي أماكن محددة، وهي أربعة أماكن بنص النبي صلى الله عليه وسلم: ذو الحنيفة وهو أبعد المواقيت، قرن المنازل، يلملم، الجحفة. واختلف العلماء في ذات عرق، وهو الميقات الخامس، هل هو بتوقيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم باجتهاد عمر؟ والراجح: أنه بتوقيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجتهاد عمر الذي وافق فيه توقيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتكون المواقيت التي جاء بها النص خمسة.
أما يلملم فكان اسمها قديماً، وحالياً معروفة باسم السعدية، تقع جنوبي مكة المكرمة، وهو موضع على ليلتين من مكة وهو ميقات أهل اليمن.
قال المرزوقي:
هو جبل من الطائف على ليلتين أو ثلاث، وقيل: هو وادٍ هناك، قال أبو دهبل:
فما نام من راعٍ ولا ارتد سامرٌ
من الحيّ حتى جاوزت بي يَلَمْلَما
وقال طفيل:
وسلْهَبةٌ تنضو الجيادَ كأنها
رداةٌ تدلت من فُروع يلملم
وقال بن مقبل :
تُراعي عنُودا في الرداة كأنها
سُهيلٌ بدا في عارض من يلملما
وقد ورد لها نطقٌ آخر وهو ألملم، ذكرها الحموي حيث يقول في معجم البلدان (1/ 292): ألملَم بفتح أوله وثانيه، ويقال يَلَملَم والروايتان جيدتان صحيحتان مستعملتان، جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة وهو ميقات أهل اليمن، والياء فيه بدل من الهمزة وليست مزيدة، وقد كثر من ذكره من شعراء الحجاز وتهامة. قال سلمى بن المقعد:
ولقد نزعنا من مجالس نخلة
فنجيز من حتن بياض ألملما
وقال أبو دهبل وهو يصف ناقة له:
خرجت بها من بطن مكة بعدما
أصات المنادي للصلاة واعتما
فما نام من راع ولا ارتدّ سامر
من الحيّ حتى جاوزت بي ألملما
مررت ببطن الليث تهوي كأنما
تُبادر بالإصباح نهباً مقسما
فقلتُ لها: قد نعت غير ذميمة
وأصبح وادي البرك غيثا مديما
وروافده الحشا، نيّان، الرضعة، تصيل، وديان، نُمار، الفرعة، فواق، ضهياء، حثن، الأزحاف، شكيل، الخبارة، الرجع. أما اسمها السعدية، فلعلها نسبة إلى البئر المسماة بئر السعدية، وقد تكون منسوبة إلى سعد بن زيد أحد أمراء مكة في القرن الحادي عشر، وعرفت آبار يلملم بعذوبة الماء وغزارتها، وكان لها أهمية كبيرة للحجاج والمسافرين، حيث إن يلملم كانت محطة رئيسية على درب الحج التهامي واليمني، وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم يلملم ميقاتاً لأهل اليمن على طريق الحج الساحلي، فعن عبدالله بن عمر: أن رجلاً قام في المسجد فقال: يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن، فقال ابن عمر: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يهل أهل اليمن من يلملم. رواه مسلم. وفي حديث آخر، ويهل أهل العراق من ذات عرق. رواه ابن ماجة في سننه برقم (2910). وعن ابن عباس رضي الله عنه وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنّ لهم ولمن أتى عليهنّ من غيرهنّ ممّن أراد الحج والعمرة.
كما جاء ذكر يلملم في السيرة النبوية حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سرية جهة يلملم، فعن سعيد بن عمرو الهذلي قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رمضان، فبعث السرايا في كل وجه، وأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الإسلام؛ فخرج هشام بن العاص على مئتين قِبَل يلملم. التنبيه والإشراف للمسعودي (1/ 99) ، وذكر ابن سعد أيضاً سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة، وكانوا بأسفل مكة على ليلة ناحية يلملم في شوال سنة ثمانٍ للهجرة. الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 147). وقد عثر في موقع يلملم آثار لمنشآت مائية، من أشهرها: بئر السعدية، كذلك يوجد بالمنطقة مغارات وصخور، كان يستظل بها الحجاج، عليها آثار مخربشات تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، وكتابات ونقوش إسلامية.
قال حمد الجاسر رحمه الله: «يلملم لايزال معروفاً، ولكنه يسمّى لملم، ولعلّ هذا من قبيل تسهيل الهمزة؛ لأنه يسمّى ألملم، ويقع في وادي السعدية، شمال ميناء الليث، بعد وادي مركوب، وادي السعدية يسمى أيضاً وادي لملم. معجم الأمكنة لابن جنيدل (457).
وقال أحد المؤرخين: «يلملم: ياء مثناة تحت مفتوحة وتكرير اللام والميم: وادٍ فحل من أودية الحجاز التهامية، يأخذ أعلى مساقط مياهه من شفا بني سفيان على قرابة (30) كيلاً جنوب غربي الطائف، ثم يندفع غرباً في انحدار عميق بين صلاهيج جبال فيمرّ بالسعدية ميقات أهل اليمن على طريق تهامة على (100) كيل جنوب مكة فيصب في البحر جنوب جدة على مسافة مرحلتين، وهو وادٍ متعدد الروافد... مما يجعل سيله جارفاً... ونباته الأراك، وسكانه: في صدره فهم وبقية بني صاهلة من هذيل، وأسفله الجحادلة من بني شعبة من كنانة، وروافده الشمالية من ديار هذيل، فيه مركز حكومي تابع لإمارة الليث وبه مركز صحي، ومقترح إنشاء مدرسة في السعدية وقد أنشئت وأنشئت مدرسة بالملاقي حيث الإمارة،أما أسافله ففي السعدية إمارة تابعة لقائم مقام مكة.