سهوب بغدادي
يعرف مصطلح التسييس بأنه إضفاء الطابع السياسي على مجال أو شيء ما، وتغليب النزعة السياسية عليه أو من خلاله، فمن خلال المعنى الآنف ذكره، يتبادر إلى الأذهان أنه قد ينطبق على عدد من النطاقات المتداخلة في الحياة اليومية، وتتماهى على سبيل المثال أجندات مدروسة بطريقة خفية في ألعاب أطفال أو أفلام أو منتجات يومية، والأدهى من ذلك تلك الرسائل المدروسة والقادمة عبر الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، فكل شخص منا مر بلحظة تساءل فيها عن ألوان محددة على قميص بهيج الألوان، أو لقطة في فيلم ذات أبعاد غير الأبعاد المقربة له، وهكذا، في هذا الإطار، لفتني كيفية استخدام «الموضة» وعالم الأزياء لإيصال رسالة سياسية للعالم، حيث عمدت إحدى المصممات البريطانيات من خلال أسبوع الموضة في لندن أن تعرض مجموعة أزياء تحمل أعلام دول مختلفة وكان منها علم المملكة العربية السعودية، فكان زيا موحدا مع اختلاف الأعلام، وللأسف فإن الزي كان عبارة عن تنورة قصيرة جدًا «ميني جوب» نتيجة لذلك، ثار غضب المسلمين عامةً والسعوديين خاصةً، بل شنوا حملة ضارية على المصممة البريطانية التي ظنت أنها ستنال العالمية وتبرز نفسها في هذه الفرصة الفريدة أمام الملأ، ففي المجموعة إسقاطات واضحة بجعلها العلمين السعودي مع الصيني بشكل لصيق، كذلك العلم البريطاني والياباني، أما علم الاتحاد الأوروبي فكان فصعد على الممشى «المنصة» وحيدًا، وقد لا تكون منهجية تسييس ما ليس سياسيا أو تسييس للموضة في حد ذاتها، ولكن طريقة استخدام المتاح باللعب على وتر المواضيع الحساسة لدى فئات معينة بالاعتماد على عملية بحث ركيكة على الإنترنت عن الموضوعات التي تثير الرأي العام ومن أبرزها خلال الفترات الماضية، حرق المصحف الشريف، ومنع العباءة والحجاب، والرسوم المسيئة والكاريكاتور، وما إلى ذلك، لذا استخدمت العلم السعودي لعلمها المسبق أن المملكة تتصدر المشهد في الوقت الحالي على كافة الأصعدة ومنها الموضة كما رأينا في «رياض فاشن ويك» أسبوع الموضة في الرياض الذي لقي موجة اهتمام محلية وعالمية، فلو صابت الخطة ستكون الرابحة في اللعبة وإن خابت فستعتمد على الدعاية المجانية من المسلمين الذين استشاطوا غضبًا كما يفعلون على الدوام، من ثم تقدم منتجاتها لفئات أخرى بالاستناد إلى اسمها الذي صعد الترند وأحدث الجلبة ولفت الأنظار، وقد تعد وسيلة تسويق معتمدة في حالات معينة ولكن في مثلحالة المصممة، انقلبت عليها ولقيت نتائج عكسية لم تكن في الحسبان، إنها وسيلة تسويقية خطيرة إما أن تنهي مسيرة شخص أو تشكل انطلاقة قوية له، إن ما حدث مذهل وقلب الموازين، إذ قام الشعب الجبار بحملة على حساب المصممة ولم يكتفوا بذلك بل سدوا جميع السبل أمامها، فبعد الانتهاء من حظر والتبليغ على حسابها، اتجهوا إلى المجلة الشهيرة التي عرضت صورتها على غلافها، وتم حذفها تباعًا، ولم يكتفوا بذلك بعد، فانهالوا على التطبيق الأشهر الذي تعرض فيه منتجاتها من مجموعات وتصاميم سابقة «عادية» وهددوا بمقاطعة التطبيق، نتيجة لذلك تفاعل القائمون عليه وحذفت جميع منتجات المصممة البريطانية في يومها، لأن السوق السعودي والخليجي من أهم الأسواق والعملاء لدى أهم دور الأزياء والتطبيقات للسلع المماثلة، فخسارة مصمم أهون من خسارة فئة كبيرة،»ما علينا»، على هامش الأسبوع استذكر أمرا مماثلا مع إحدى «فاشنيسطاط» التي وعدت جمهورها بالقدوم إلى المملكة لإجراء لقاء حواري عن الفن والموسيقى علماً بأنها تمتلك في رصيدها الفني عدد أغان أقل من عدد أصابع يدها، بعكس رصيدها من أمور أخرى للأسف! وأقصد رصيدا من الحقد والكراهية والتدخل في شؤون داخلية لا تعنيها، إلا أن «الدراهم مراهم» في حالتها وحال كثير من المتلونين الذين يتنازلون عن مواقفهم السابقة مقابل المادة، لذا أثبت الشعب وعيه مجددًا في هذا الموقف وقام بالواجب، فعلاً نستحضر قول سمو سيدي ولي العهد على الدوام «أعيش بين شعب جبار وعظيم».