أ.د.عثمان بن صالح العامر
كان الله في عون الوالدين وأولياء الأمور اليوم، حيث العالم صار غرفة واحدة، ووسائل التنشئة أضحت خارجية عالمية أكثر منها داخلية محلية فضلًا عن أن تكون عائلية منزلية، والاستلاب الثقافي اليوم هو الظاهرة الأخطر على الإطلاق، ولغة التفاهم والتخاطب بين الأب وذريته صارت معقدة وصعبة في ظل شعور الجيل الجديد بأنهم يعيشون مرحلة صراع الأجيال، فنحن جيل الطيبين - في نظرهم - لا نفقه كثيراً عن عالمهم الجديد بتقنياته ومصطلحاته ومفاهيمه وإيقاعاته وفضاءاته، وهم - في ذات الوقت - لا يكترثون أبداً بما كنا نعتقد نحن أنه من المقدسات التي لا يجوز المساس بها أو التهاون في حقها أو التقصير فيها مع أنها لا تعدو أن تكون أعرافاً وعادات وتقاليد مجتمعية لا نصيب لها من شرع ودين، ولذا كان لزاماً على الوالد الذي يتطلع لقيامه بدوره التربوي على الوجه الصحيح اليوم أن يكون:
* واعياً بطبيعة المرحلة التي يمر بها العالم.
* عارفاً لوسائل التنشئة الحديثة، وأساليبها الجديدة.
* مدركاً متطلبات الأولاد حسب أعمارهم وبناء على ميولهم وهوياتهم.
* لا يعرف للشدة مكاناً في تعامله معهم، فهم جيل يختلف عن سابقه، ولغة التفاهم معهم والتوجيه لهم ليست تلك التي كانت فيما مضى من أعوام.
* يجيد فن الحوار بمستلزماته العديدة، كحسن الاستماع، وامتلاك مهارة التحليل والنقد وتفنيد الشبه - التي تطرق مسامع وأبصار الأولاد- بالأدلة النقلية والعقلية.
* يملك القدرة على ضبط التوازنات بين الثوابت والمتغيرات.
* لا يكثر النصح لهم وإنما يتخولهم في الموعظة ويكون هو بنفسه قدوة، فالنشء يلتقطون من الأفعال أكثر من الأقوال أضعاف مضاعفة?، ويبنون عليها قناعاتهم ومسلماتهم الذاتية.
* يتحكم بمشاعره جيداً، ويستطيع أن يمنح عقله إصدار التشريعات الأسرية بكل ذكاء وكياسة وحكمة.
* يمنح عائلته أثمن أوقات يومه، ولا ينشغل عنهم بحجج واهية، فهم في النهاية رأس ماله الحقيقي، ويحرص على الالتزام بوجبة يومية على الأقل يتناولها معهم، فضلاً عن السفر بمعيتهم خلال الإجازات.
* يجيد مهارة ترتيب الأولويات ويقارن بين الإيجابيات والسلبيات قبل أن يصدر التوجيهات الأسرية. فيختار أخف الشرين شرا وأعظم الخيرين خيرًا.
* يتحلى بالصبر ويستعين بالصلاة، ويربيهم على الارتباط بالله بهدوء وروية، وإقناع وانسيابية.
* يشعرهم بالحب، ويجعل لغته هي السائدة في علاقتهم مع بعضهم البعض.
* يزرع فيهم الثقة منذ الصغر ويراقبهم من بعيد بطريقة لا تحسسهم بالنقيض.
* يشجعهم ويحفزهم أكثر من تحقيرهم وعقوبتهم.
إن هناك من التربويين من يتبنى ويسوق لفكرة (جعل الأولاد يواجهون مصاعب حياتهم لوحدهم دون أن يعتمدوا عليك أيها الأب، واستمتع أنت بحياتك مع زوجتك ما بقي لك من عمر)، وهذا في نظري وإن كان يصح ويصدق في الماضي حيث المخاوف محدودة وليست خطيرة كما هو الحال اليوم، فإنه لا يمكن قبوله في عالم يموج بالمهددات العقدية والفكرية والسلوكية الأخلاقية التي يسوق لها من خلال الألعاب الإلكترونية والمواقع الشخصية والمنتديات الخارجية وقد يصل الأمر بالشاب أو الفتاة بالاختطاف الفكري سواء من قبل الإرهابيين المتطرفين أو الملحدين المنكرين تحت شعارات تدغدغ المشاعر وتلامس الحاجات الغريزية، وقل مثل ذلك عن خطر المخدرات والمسكرات والانحرافات القيمية التي قد تفقدك أولادك لا سمح الله مع العلم أن خلف كل هذا السيل من المخاطر في عالمنا الافتراضي (السوشل ميديا) مؤسسات خارجية مدعومة، فلنتذكر أن كل منا راع ومسئول عن رعيته ولنربيهم على الارتباط بالله عز وجل ولنكثر لهم من الدعاء حتى يكونوا في مستقبل حياتهم حراس عقيدة وحماة وطن وجنود بناء وتنمية وتطوير لبلادهم الغالية المملكة العربية السعودية ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.