د. عبدالحق عزوزي
نظمت منذ أيام مظاهرات حاشدة في باريس وعدد من المدن الفرنسية شارك فيها الآلاف من الأشخاص ضد عنف الشرطة، كما اندلعت بعض الاشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن الفرنسية؛ وهتف المتظاهرون «الشرطة في كل مكان، ولا عدالة في أي مكان»، و «لا عدالة، لا سلام» و «العدالة لنائل»، المراهق الذي قُتل في 27 يونيو/حزيران الماضي، قرب العاصمة الفرنسية أثناء حاجز تدقيق مروري، في واقعة أثارت مجموعة من أعمال الشغب في البلاد.
ولاحظ المتتبعون أن المتظاهرين رفعوا شعارات تطالب بالحفاظ على الحريات العامة والمكاسب الاجتماعية للشعب الفرنسي، متهمين حكومة الرئيس ماكرون بالتساهل مع الخطاب العنصري لأحزاب اليمين.
وفي الشهر الماضي، انتقدت لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة الممارسة المتواصلة في فرنسا والمتمثلة في «التنميط العنصري المقترن بالاستخدام المفرط للقوة في تطبيق القانون، وخاصة من جانب الشرطة، ضد أفراد الأقليات، بما في ذلك الأشخاص من أصل إفريقي وعربي» وهاته الأعمال العنصرية لا تسلم منها العديد من الدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية حيث دائماً ما تشهد احتجاجات عارمة يشعل فتيلها وفاة بعض الأمريكيين ذوي البشرة السوداء، مثل ما وقع مع جورج فلويد، المواطن الأعزل الذي قضى اختناقاً تحت ركبة شرطي أبيض أثناء توقيفه في مينيابوليس؛ مما يعيد كل مرة مسألة العنصرية المتجذرة في البلاد ويحيي الجدل الحسّاس حول إرث العبودية في البلاد الذي تجسّده نصب تذكارية تمجّد الجيش الكونفيدرالي ويطالب كُثر بإزالتها.
كما يكفي أن نشير إلى تقرير نشره منذ مدة بنك سيتي غروب لنرى كيف أن هذا التمييز بين البيض والسود مازال متجذراً في المجتمع الأمريكي وكيف أضحت سياسات التمييز العنصري عائقاً أمام ازدهار الاقتصاد الأمريكي، مضيعة عليه تريليونات الدولارات في العقدين الأخيرين. وقد بينت دراسات سابقة نشرتها شركة الاستشارات الاقتصادية ماكينزي أن «الأمريكي من أصل إفريقي يكسب مليون دولار أقل من المواطن الأبيض على مدار حياته». ولاحظ اقتصاديو سيتي غروب، بعد دراسة البيانات التي جمعوها من الاحتياطي الفيدرالي ومكتب التعداد السكاني، أن الفروق في الأجور «لم تتقلص منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي» ؛ كما يستفاد من التقرير أن فشل السياسات في مكافحة التمييز في أماكن العمل، منذ 20 سنة، قد أسفر عن تضييع «مبلغ ضخم للغاية تصل قيمته إلى 2700 مليار دولار كان يمكن إضافته لإجمالي الدخل القومي إذا لم تكن هناك فروق في الرواتب». ويقيني أنها أموال كثيرة كان من الممكن، جزئياً، أن تنمي الاستهلاك أو تستخدم للاستثمار في الأعمال التجارية أو العقارات؛ ويأسف خبراء الاقتصاد في هذه المجموعة البنكية على «أن الولايات المتحدة تُحرم من تحقيق 0.2 بالمائة زيادة على نسبة النمو الحالية جراء سياسات التمييز الحاصل في توزيع المداخيل».
ثم إن أحد المكونات الرئيسية لثروات الأمريكيين يأتي من القيمة العائدة لمنازلهم. وفي هذا الصدد، فإن التمييز صارخ للغاية؛ وإذا كانت البنوك تتردد في منح القروض العقارية، فهي أشد حذراً في تمويل المشاريع التجارية وإنشاء الشركات للأقليات العرقية. ويقدر البنك الأمريكي بأنه إذا كانت المؤسسات المالية قد «تعاملت بطريقة عادلة ومنصفة» مع رواد الأعمال الأمريكيين من أصل إفريقي الذين جاؤوا لطلب المال لإنشاء أعمالهم التجارية، «كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى توليد مبلغ 13 تريليون دولار من الإيرادات الإضافية للاقتصاد الأمريكي وخلق حوالي 6 ملايين فرصة عمل منذ 20 عاماً مضت».
عندما نشاهد ما يقع في هاته البلدان الغربية من السياسات العنصرية المقترنة بالاستخدام المفرط للقوة في تطبيق القانون، وخاصة من جانب الشرطة، ضد أفراد الأقليات، وخاصة ضد السود والعرب، تخرج بقناعة بأن العنصرية شيء متجذر في هاته المجتمعات والتي للأسف تعطي لنفسها الحق في تنقيط دول العالم في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة.