عبدالمحسن بن علي المطلق
مبتدأه لانعدام الترادف...
أَحسب اللغويين مسلّمين (و لا أجزم كل الجزم على أنه قد أطبق الاتفاق بينهم) أن هناك مفردات لها مرادفٌ يقوم مقامها، حتى ولو بـ(المعنى)، فمما ذُكر عن ابن زيدون أنه أجاب من عزاه بزوجته.. وكانوا قُرابة الثلاثين، كلّ بجواب مختلف. فيما آخر لا يقوم بالتعبير عنها سواها، بيد أن هناك من لا يرى في الترادف (أي الوظيفة) إلا تحديدٍ للوصف المروم، لسبب وجيه يدعو لهذه، ولتلك - مما يناسب والمقام- واقعة ترفد، فيوم قيل لسيف الدولة: إن للسيف عددا من الأسماء، عقّب: إني لا أعرف له سوى اسم واحد، فقيل له اينك -أيها الأمير- من الرديني، والمهنّد والبتار، و... فقاطع بـ(الذي أعرف أن تلكم أوصاف).
طبعا الغوص بهذا يحوّل مادتي إلى جدلية تحتاج ذي صنعةٍ يجليها إلا أن طرحي هنا وقفا على (التكرار)، الذي عماده ما يصبّ في إناء ماء غرضي منه هنا -دواعيه-، لأطرق منه جانبين، أحدهما / استقرار المعلومة، والآخر في البُعد عن اللبس..
فالأولى وجه أهمّيتها يلفى أكثر في دور التعليم التي تأخذ بها..
فيما الأخرى يلجأ إليها المتحدّث غالبا ليحدد بُغيته، كما نلاحظه في لفظة (تنويه) التي حتمت على مبرّز في التفسير بعصرنا «الطاهر بن عاشور» رحمه الله لجوءا إليها لتقريب آية «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرقَانَ عَلَى عَبدِهِ لِيَكُونَ لِلعَـالَمِينَ نَذِيرًا» الفرقان، بقوله (في هَذِهِ الآيَةِ جَمَعَ بَيْنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ القُرْآنِ وأنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ وتَنْوِيهٌ بِشَأْنِ النبِي ورِفْعَةِ مَنزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وعُمُومِ رِسالَتِهِ).
وهذا يدل على أن في لغتنا ما لا يقوم بعمل لفظة أو يحدد غرضها سواها، وهاك مُحاك تأطير الأصوليين (ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب)، وخُذ ما هو أمثل، فحين وصف - و لا أعني مَدح - الإمام أحمد أبو جعفر المنصور رحمهما الله.. قوله:
(.. وأبو جعفر أبو جعفر) أي لم يجد مماثلا يقرّب به الخليفة سوى نفسه هو، و لا غرو!، ففي آية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال ابنُ عباسٍ ومجاهد رحمهما الله.. وغيرهما «يَعْنِي: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَم» ، فقد مثّل لنا بأنفسنا، وهكذا الحال مع من لا تجد له نظير في التشبيه به إلا أن تُعيد عليه بالثناء، لنعدام الذي له مُحاكيا وقد كان من جوابه صلى الله عليه وسلّم.. يوم كان بالجِعرانةِ وَهوَ يقسِمُ التِّبرَ والغَنائمَ وَهوَ في حِجرِ بلالٍ، حين قال رجلٌ اعدِل يا محمدُ فإنكَ لم تعدِلْ، فقالَ (ويلَكَ ومَن يعدلُ بعدي إذا لم أعدِلْ)؟ الألباني عن ابن ماجة رحمهما الله
أي يتأكّد اللجوء لهذا القياس إذا انعدم النظير الذي يُبنى عليه، وعلى مثل هذا تتأكد حاجة التكرار، إذ لا مناص من سبيل مغايرٍ يبلّغ عنه سواها.
ولا شك أن هناك دوعي أخرى له -التكرار -، كإزالة اللبس، مثل (الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِين)، أيضا حاجة الموجّه له، ليعي السامع أكثر، كما في ختام حديثه: (..ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور..)، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت..يعني:
ما زال يكرر التحذير منها -شهادة الزور- حتى قال الصحابة: ليته سكت، يعني: إبقاءً عليه لئلا يشق على نفسه -عليه الصلاة و السلام-، ومن قبل نجد في (كتابٍ أُحكمت آياته..) مثل ذلك، كما في آياتٍ بمطلع سورة (الحاقة)، وكذا يُلاحظ (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ)..
ولعل المتبصّر بالأمر يدرك هذا الجانب، وكذا في الغرض السامي له، ففي أحد جوانب ما لا يخفى.. أنه (يزيد) الطلب عليه في محاضن التعليم وأتون الدروس..
فالمعلّم يعيد ويكرر لتستقرّ المعلومه في الذهن، هذا فضلا أن «في الإعادة إفادة»..
وكذا أن (..التكرار يعلّم الشطّار)،.. الخ.
على أن هناك قبل الختم.. دواع للتكرار مما يلزم لإتمام السياق، كقولك (اقتربت المركبة شيئا فشيئا..)، وفي آية (هيهات هيهات لما يوعدون) وقول الشاعر: أخاك أخاك فإن من لا أخ له..- البيت-.
أيضا بالمثل.. يا بريطانيا رويدا رويدا..