سام الغُباري
يوم كنت في اليمن، كانت السعودية أرضًا لا أفكر فيها إلا رغبة في الحج أو العُمرة، أسرارها مُغلفة بهزيمتنا المعنوية كيمنيين، وكل ما يأتينا عنها ساخرٌ وحاقد، التعاون معها ارتزاق، والعمل مع سواها شطارة. حين جئتها لاجئًا مُعفرًا بتراب الفجيعة، هاربًا من قبضة صديق أو غدر جار تذكر فجأة أنه ينتسب لعائلة كريمة، ألفيت جُنديًّا عربيًّا من آل «الشهراني» على أبواب منفذ الطلح الحدودي، دعاني إلى الابتعاد والعودة.
بعينين زائغتين قلت «أنا صحافي يهرب من الموت»، فجادت شهامة العربي على قانون التأشيرة وصاح مُستنفرًا بقول مأثور «لبيك»، ولما بلغت مأمني، استمهلني لإجراء اتصالاته، ولم يمر وقت طويل حتى كنت في مطار الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجيزان محلقًا مع الغيم إلى الرياض المدهشة في تعارف هو الأول.
بعد أيام أبصرت مشاهد الفرح الشعبي بيوم السعودية الوطني، لم تكن سعادتهم سلعة يؤمرون بها، بل أول سر أكتشفه من أسرارها الثمينة، فرح شائع تلتقطه العيون وتسمعه الأفئدة، انتشرت عدوى السعادة في أرواح كل من كانوا هناك، حتى أنا، خرجت من كآبتي وصرت أبتسم مرة أخرى.
في أعقابها أعوام تسعة، عشتها آمنًا على حياتي وأهلي، أرقب يوم 23 سبتمبر من كل عام، أتفحص تلك التفاصيل التي تغيب في المشاهد الكبيرة، وجه طفل ينضح بالفرح، وعروض حسم وعطايا كبيرة من الهدايا تنهال من شركات الاتصالات والتكنولوجيا ومحلات الأطعمة بأنواعها ورواد التطبيقات المجانية وحتى بائع العسل البدوي يبعث رسالة إلى هاتفي يشجعني على الشراء بحسم أقل بثلاثين بالمئة عن المعتاد.
في الإعلام حكاية أخرى، تسابق جبّار لأكثر من هيئة حكومية وخاصة على إنتاج أفضل قصة تختصر شعار اليوم الوطني، تميزت بها هذا العام وزارة الحرس الوطني السعودي برواية فنية عن الدور البطولي لأبطال الحدود ومقاتلي الجيش والإطفائيين وجهود الإنقاذ الإقليمية.
من المشاهد المؤثرة والمميزة التي تأثرت بها قبل سنوات كانت ما أنتجته شركة أرامكو في قصة ذكية تطوف عوالم التطور برسالة من مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - مذ كان في بيته الطيني وسط صحراء لاهبة وصولًا إلى الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - يحفظهما الله -، وقد أنجزوا مع أسلافهم خلال 93 عامًا معجزة حقيقية في بحر من الرمال المتحركة.
الفرح نادر في محيط يلتهب بالكراهية، والسعودية تبتهج في يومها الوطني عازمة صارمة محبة وصادقة، عروبتها أصل هويتها، تنشد مع صياح الديك نشيدها الوطني، ويقفز أهلها عدوًا ووثبًا وطيرًا كالأبابيل يدفعون أذى أعدائها في كل ساحة وموقف حين أدرك أن هؤلاء «البدو الرائعين» هم من بنوا أبراجًا لامعة وسط صحراء مقفرة وغرسوا في أحشاء كثبانها نخلًا باسقات وأسكنوا فيها الحياة وعشّبوا قحطها وأضاؤوا شوارعها بهمة بلغت بهم القمة، أرفع لهم قبعة الاحترام، متمنيًا ان أرى بلدي يومًا تجاريهم في الهمة، كما يفعل شبابنا في كرة القدم.
** **
- كاتب وصحافي يمني