عطية محمد عطية عقيلان
أسوأ البشر هم المتلون والمتغير ومن يتولى مهمة إطلاق الأوصاف والتشفي على ما يحدث من كوارث طبيعية وأزمات، فعند مصلحته لذلك البلد أو الشخص، يراه ابتلاء من الله وامتحانا، لصبرهم وإيمانهم، وعند وقوعها لمن يخالف هواه ومصالحه، يحولها ويفسرها بأنها عقوبة على كثرة فسادهم وطغيانهم، وحكمه هذا يشمئز منه الإنسان الطبيعي، فعندما يرى إطلاق هذه الأحكام، وكأنهم وكلاء الله في الأرض، لتقرير متى يكون ابتلاء أو تصبح عقوبة، وللأسف بعضهم نهجهم هذا قائم على المصالح الشخصية «والهوى الغلاب بعيداً عن الحق والباطل».
يقول مارك توين «بعضهم يصدق الكذبة إذا كانت من شخص يحبه، وبعضهم يكذب الحقيقة، إذا كانت من إنسان يكرهه، وهنا تطغى العواطف على الحقيقة»، فلنتق الله، ولنعلم أن «الشماتة والتشفي»، فيما يصيب الآخرين، هي من تدل على سوء الخلق وقلة المروءة، وليكن منهجنا بأن ندع الخلق للخالق، ولا نحاكمهم على نوايانا وأهوائنا، حتى لا تصيبنا ما حدث لهم، من عاقبة ظلمنا لهم، وينكشف ما ستره الله لنا، ولننشغل بالنجاة والسلامة بأنفسنا، وتمني الخير للبشر، أو أضعف الإيمان ندعهم وشأنهم وبعيداً عن إصدار الاحكام بالهوى الغلاب ومثالية أقرب إلى التنظير.
وجهه مغسول بمرق...!!
المثل أعلاه يعبر بعمق عن الضرر الكبير عندما ينزع الحياء والخجل من الشخص، فيكذب ويظلم الأوادم، ويظهر بوجه بشوش طيب وكأنه لم يفعل شيئا، لأنه فقد الحياء ولم يعد يقيم وزناً لعرف أو مروءة أو قيم، ولا يردعه شيء من فعل العيب والحديث بالكذب، وتحويل السرقة إلى حقه المشروع، دون اعتبار لكبير أو عزيز، أو مراعاة عشرة أو معروف، وهي درس لنا بأن نهتم ونعمل على تجنبها ونحرص على الحياء والوفاء ونحفظ الأمانة والعشرة، في الحديث عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه».
كذب الكذبة وصدقها...!!
مهندس الدعاية النازي في المانيا جوزيف جوبلز، يقول « أكذب، أكذب، ثم أكذب، حتى يصدقك الناس»، فالتعود على الكذب هو مفتاح الشرور، لتبرير الظلم والتعدي والتبلي على الآخرين، وجل الخلافات والمشاكل سواء المالية أوالشخصية بين الورثة والشركاء والزملاء، منبعها أن أحدهم كذب الكذبة، ومن كثرة تكرارها، صدقها وأصبحت عنده حقيقة دامغة، مع عدم وجود رادع أخلاقي حقيق يؤمن به، ورفقاء سوء يزينون له ذلك ولا يقولون كلمة الحق والصواب له، يقول الكاتب الفرنسي اندريه جيد «المنافق الحقيقي، هو الذي لا يدرك خداعه، لأنه يكذب بصدق»، ويقول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه «المنحطون، بحاجة إلى الكذب، أنه أحد شروط بقائهم»، فإذا كذبنا على الأقل لنتعرف لأنفسنا بأنها كذبة، على وعسى أن نعود ونتوب عنها.
اترك مسافة آمنة...!!
العلاقات بين الناس تحتاج إلى اكتشاف لمعرفة المسافة الآمنة والكافية، ومن ثم تطبيقها، للحفاظ على سلامتنا النفسية والصحية والأخلاقية، سواء كانت علاقات صلة القرابة أو زمالة أو صداقة، ومع التجربة في معاشرتهم، نستطيع قياس أثرهم وتأثيرهم علينا، فبعضهم مثل الحصان (أو الحمار) تجنب أن تكون خلفه، فلن تأمن أن يرفسك في أي لحظة، وبعضهم كالشاحنة المحملة بالأتربة، قربك منها يصيبك بالتلوث وانعدام الرؤية، وهناك أشخاص مثل البلسم قربهم صحي ومفيد ورؤيتهم ترتقي بك على كافة الأصعدة، يذكروننا بجمال الربيع وروعته، فلنقيم علاقاتنا ونطبق المسافة الآمنة فيها، يقول الشاعر عبدالله بن علوش في قصيدة «بعض البشر ودك حدود المعرفة سلام» في بعض أبياتها:
على حسب ما مرني ومن تجارب الأولين
وجهة نظر ويجوز فيها الاتفاق والانقسام
اترك مسافة كافية بينك وبين الآخرين
بعض البشر ودك حدود المعرفة معهم سلام
اصمت ولا تحرص على كثر الكلام الصمت زين
اللي سكوته ساتره يمكن يعريه الكلام