د. سعد بن سعيد القرني
في أول ساعة من يوم الخميس أُذيعت بتوقيت الرياض 21 سبتمبر 2023 في برنامج «سبيشال ريبورت»، مقابلة مع صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، أجراها بريت باير، كبير المُذيعين السياسيين بقناة فوكس نيوز من مدينة نيوم، وهي الأولى لولي العهد مع شبكة إخبارية أميركية كبرى منذ عام 2019.
وقد علق مذيع فوكس نيوز «بريت باير» على الهواء مباشرة بقوله: لقد فعلت مقابلات كثيرة في حياتي، «لم يسبق لي أن تلقيت هذا القدر من الأخبار في مقابلة واحدة، وبنفس الوقت».
تجدر الإشارة هنا أن باير مذيع فوكس نيوز، اشتهر بمحاورة قادة وزعماء العالم طوال فترة عمله التي استمرت 27 عامًا، من بينهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والرئيس الأسبق باراك أوباما، والرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وآخرون.
والحق يقال بأن النخب السياسية، والاستثمارية في العالم أنصتت لتصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لدوره المؤثر سياسياً واقتصادياً في العالم، خلال الست سنوات الماضية، وفي الوقت ذاته إلى الإصلاحات التي شهدتها المملكة، ومكانتها العربية والإسلامية والعالمية المؤثرة.
ويرى المراقبون داخلياً وخارجياً، بأن ولي العهد السعودي، سبق فكره عصره، من خلال استثماره للمقابلات الصحفية العالمية الخاصة، في التهيئة الخارجية للمجتمعات العالمية، لما ينفذه من ومشروعات كبرى، والتي تحولت إلى قرارات، ومشاريع على أرض الواقع، وما جاء في المقابلة، يُعد بالفعل دليلًا على النقلة النوعية غير المسبوقة، حيث أن تحليل لقاء سيدي ولي العهد يحتاج إلى قوالب علمية مطولة، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في مقالة صحافية، وبالتالي فإنني سأقدم بعض الأبعاد الرئيسة بشكل مختصر:
وفي البداية أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للمترددين عن زيارة المملكة بقوله: إن السعودية هي «أكبر قصة نجاح في القرن الحادي والعشرين، وهي قصة هذا القرن»، وإن الاقتصاد السعودي غير النفطي هذا العام سيكون من الأسرع في مجموعة الـ20، مضيفًا أن «الاقتصاد السعودي رقم 17 عالمياً، ويمكننا العودة ضمن قائمة الـ 7. وقال «كنا في 2022 أسرع دول مجموعة الـ 20 نموًّا، هدفنا الوصول بالسعودية للأفضل وتحويل التحديات إلى فرص». مشيراً إلى أن استثمار السعودية في السياحة رفع نسبة إسهامهاً في الناتج المحلي من 3 % إلى 7 %.
ولفت ولي العهد السعودي أنه تم وضع مستهدفات جديدة بطموح أكبر لرؤية 2030.
حيث «إنه يجري العمل على إنجاز بعض الأمور، التي نتطلع إلى الانتهاء منها في النصف الأول من عام 2024، وبعد ذلك يجب أن ننتقل إلى التنفيذ والاستعداد لرؤية 2040، والإعلان عنها في عام 2027 أو 2028، هذا هو الأمر الأساسي الذي نركز عليه». وقال: «لنحقق أهدافنا في المملكة يجب أن تكون المنطقة مستقرة، ونتطلع أن تنعم المنطقة وكافة دولها بالأمن والاستقرار لتتقدم اقتصاديًّا». لذلك «أركز وقتي لمتابعة ما يخدم مصالح السعودية وشعبها».
وأشار الأمير محمد بن سلمان إلى الجانب الاقتصادي للمملكة قائلًا،» إن بلاده الأسرع نموًّا حاليًّا في جميع القطاعات. وقال إن استقطاب السياحة مرتبط بتطوير القطاعات ومنها الرياضة والترفيه والثقافة، مضيفًا: «لا نمانع تطوير قطاع الرياضة كما أنه أصبح فاعلًا في العوائد الاقتصادية». وبالتالي «نعمل كي تسهم الرياضة بنسبة 1.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي قريبًا».
كما تطرق ولي العهد أيضاً إلى الملفات الاقتصادية، حيث أكد أنَّ السعودية تراقب العرض والطلب في سوق البترول، وتتخذ ما يلزم من إجراءات من أجل استقرار الطاقة. وأضاف «دورنا في أوبك + سد الفجوة» بين العرض والطلب، في إشارة إلى التحالف الذي يضم أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وبعض كبار المنتجين خارجها ومن بينهم روسيا. وتابع قائلًا «مهتمون باستقرار أسواق الطاقة ونفعل ما يلزم بهذا الشأن».
وفي جانب سياسة السعودية البترولية قال سموه: «سياستنا البترولية يحكمها العرض والطلب، وملتزمون باستقرار أسواق النفط، قرارات أوبك + لا تدعم طرفًا على حساب الآخر».
وبشأن السؤال عن الممر الاقتصادي الذي أعلن عنه سمو ولي العهد خلال فعاليات قمة مجموعة العشرين في الهند مؤخرًا، قال الأمير محمد بن سلمان: إنَّ الممر الذي سيربط الشرق الأوسط بأوروبا سيوفر الوقت والمال.
وبشأن السلاح النووي قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «إنه لو امتلكت طهران سلاحًا نوويًّا فإن المملكة ستفعل الأمر ذاته «لأسباب أمنية ولتوازن القوى». وأضاف «نخشى أن تحصل أي دولة على سلاح نووي». وفي الوقت ذاته حذر الأمير محمد بن سلمان من أن أي دولة ستستخدم السلاح النووي «ستكون في مواجهة حربية مع باقي دول العالم». وتابع «من غير المجدي الحصول على سلاح نووي، لأنهُ لن يُستخدم ... العالم لا يحتمل هيروشيما جديدة بسبب الأسلحة النووية».
وخلال حديث سمو ولي العهد أكد أن مجموعة دول «بريكس» ليست ضد أميركا بدليل وجود حلفاء واشنطن داخلها، و»بريكس» ليس تحالفًا سياسيًّا، مشيرًا إلى أنَّه على تواصل مستمر مع الرئيس الصيني. وفي هذا السياق قال: «لا أحد يريد أن يرى الصين ضعيفة، إن انهارت الصين فدول العالم أجمع معرضة للانهيار بما فيها أميركا». أما نحن كسعوديين «وتيرة تقدمنا ستستمر بسرعة أعلى ولن تتوقف أو تهدأ ليوم واحد».
أما بشأن مجموعة دول «بريكس» التي ستنضم إليها السعودية اعتبارًا من يناير (كانون الثاني) المقبل، فيقول سمو الأمير محمد بن سلمان «ليست ضد الولايات المتحدة بدليل وجود حلفاء واشنطن داخلها». وأكد سموه أن مجموعة بريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ليست «تحالفًا سياسيًّا».
أما عن العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية قال سمو ولي العهد في هذا الصدد: «بيننا وبين واشنطن روابط أمنية مهمة... لدينا علاقة مميزة مع الرئيس بايدن وهو شديد التركيز ويحضر نفسه جيدًا». وتابع الأمير محمد بن سلمان أن السعودية تريد أن تأتي الشركات الأميركية والأجنبية للاستثمار في بيئة آمنة في الشرق الأوسط. ومضى يقول «نحن من أكبر خمسة مشترين للأسلحة الأميركية، وانتقالنا لشراء الأسلحة من دول غير الولايات المتحدة ليس من مصلحتها».
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، قال ولي العهد إنه لا علاقة للمملكة مع إسرائيل حاليًّا، لكنه أكد أنَّ المسألة الفلسطينية مهمة وينبغي حل هذا الجزء في مسار «التطبيع». وأضاف أن السعودية مهتمة «بحصول الفلسطينيين على حياة أفضل»، وأنها مستمرة في المفاوضات مع إدارة الرئيس الأميركي بايدن بشأن الملف الفلسطيني.
وأشار الأمير محمد بن سلمان خلال المقابلة إلى أن المملكة «تعمل على إصلاح بعض القوانين ولا نتدخل في عمل القضاء».
وفي شأن تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، قال ولي العهد: «كل يوم نقترب أكثر».
وإنَّ مقابلة سيدي سمو ولي العهد تحمل في طياتها مضامين عميقة، وذات بعد استراتيجي، استوقف الكثير من المتابعين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، مما يشير بكل قوة إلى أن ولي العهد ظاهرة بامتلاكه الكاريزما والحضور والتصور والابتكار لكل الأفكار والمشروعات المميزة، وقد جاء هذا السرد لتوثيق المضامين العميقة لمقابلة سيدي ولي العهد، وسوف نعرج في مقال آخر بالتحليل لهذا المحتوى، وما يحمله من طموحات وهمة عالية في إعادة التغيير على المستوى المحلي، ولصناعات استراتيجيات مبنية على فهم واضح ونظرة ثاقبة للتحولات العالمية.