إيمان حمود الشمري
أتذكر عندما استوقفني ضابط في أحد مطارات الدول العربية أثناء التفتيش ليسألني عن قارورة (ماء الزهر) التي أحملها في حقيبة الملابس معتقداً أنها زيت!! سألني باستخفاف أليس لديكم زيت ببلادكم؟، أجبت بابتسامة: لدينا نفط،، ولكنه لم يبتسم!
قبل أيام عدة استضافنا مسرح مكتبة الملك عبدالعزيز لمشاهدة فيلم وثائقي عن زيارة الأميرة أليس عام 1938 إلى السعودية واستقبال الملك عبدالعزيز لها، شاهدنا وهي تتجول في الرياض بطرق وعرة وتزور قصوراً بُنيت من طين.
سرحت وأنا أتامل المملكة في ذلك الوقت كيف كانت، وماذا أصبحت الآن؟ حيث كانت تلك السنة هي نفسها التي تم إنتاج النفط فيها. ليتحول الوضع بعدها من ركود اقتصادي بائس إلى أحد أكبر الدول العربية المنتجة للنفط عالمياً في الوقت الحالي، مرحلة مفصلية نهضت باقتصاد البلد وغيرت ظروف حياة المواطن السعودي، راية النهموض حملها الملوك بالتتابع حتى وصلنا لما نحن عليه بفضل قيادة حكيمة تتابعت على حمل الأمانة.
بدأها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- باستغلال تلك الثروة وإنشاء أحد أهم الوسائل لتصديرالنفط بتوقيع اتفاقية (خط التابلاين) عام 1947، لإنشاء خط أنابيب تحمل بأحشائها الذهب الأسود، يمر بأربع دول عربية (السعودية، الأردن، سوريا، لبنان) ويمتد من القيصومة إلى ميناء صيدا في جنوب لبنان ويعتبر أطول خط نفطي في العالم، حيث تمكنت التابلاين من بلوغ أرقام قياسية في مرفأ صيدا، واستطاعت أضخم الناقلات البحرية شحن النفط بنسب تزيد عن 60 ألف برميل بالساعة. رأيت خط الأنابيب خلال دعوة إعلامية لزيارة محافظة رفحاء في الحدود الشمالية عام 2022، نقلة كبيرة ومهمة في تاريخ اقتصاد المملكة بدأها الملك المؤسس، وتعاقب عليها الملوك.
ودع التاريخ هذا الخط بعد التقدم التكنولوجي في بناء ناقلات نفط عملاقة إضافة لعوامل سياسية أخرى كانت آخرها حرب الخليج الثانية عام 1990م.
كان وما زال النفط مصدر نمو ومعايرة من البعض، هبة الله إلينا، ونقمة الآخرين علينا التي أثارت الضغينة في نفوسهم والأطماع في تخيلاتهم، تلك الثروة التي أحسنت القيادة إدارتها لتجعلنا في نهضة عمرانية مبهرة وفي مصاف الدول الكبرى اقتصادياً، تسيدنا من خلالها المشهد، رغم أن ولي العهد -حفظه الله- حرص على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط، فإذا كان الملك المؤسس ابتدأها باتفاقية (خط البتابلاين) فإن الحفيد أنشأ خطوطاً أخرى للتبادل التجاري حيث أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- خلال مشاركته في قمة العشرين بالهند، أنه تم التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بما يعزز التبادل التجاري، ويعزز أمن الطاقة العالمي، وشهدنا في الأيام الماضية مذكرة تفاهم ثنائية بين السعودية والصين بخطة مواءمة بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية.
فإن عايروك بأنك ابن البادية.. فأكَد لهم ذلك وقل لهم: إن تحت أقدامنا الحافية في الصحراء تفجرت آبار النفط.