د. إبراهيم بن جلال فضلون
بدأنا حُلماً بدأناه برؤية تبعها النجاح الرائد، لتستحق التجربة السعودية في إدارة الحياة ومناشطها الدراسة والوقوف عليها بتفاصيل مناهجها، ففي الوقت الذي تبدأ فيه السنة المالية لأكبر دولة اقتصادية بالعالم كالولايات المتحدة تدب الخلافات الحادة في صفوف الجمهوريين حول حجم الدين الفيدرالي، وعدم إقرار مشاريع قوانين لازمة لإبقاء الحكومة ممولة ومفتوحة، رغم موافقة مجلس النواب الأميركي على تمويل مؤقت لتجنب الكارثة، إلا أنها لا تزال تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ، حيثُ حذرت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني من سلبية ذلك الإغلاق على الديون السيادية الأمريكية، ما يهدد تصنيفها من الدرجة الأولى ويزيد من احتمال ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وعلى ذلك ليعترف العالم بالمملكة العربية السعودية، الأقوى والأسرع نمواً في الناتج المحلي بمعدلات بلغت 2.5% خلال النصف الأول من عام 2023م، بمقدمة للأنشطة غير النفطية بمعدل 5.7 %، ويُتوقع استمرار النمو بإيجابية حتى نهاية العام الحالي، بفضل المبادرات والإصلاحات الهيكلية التي تم تنفيذها خلال الأعوام الماضية في تنمية الإيرادات غير النفطية التي صارت المصدر النشط والمستدام على المديين المتوسط والطويل لتمويل المشاريع التنموية والنفقات ببعديها الاجتماعي والاقتصادي، بعيداً عن الذهب الأسود وثرثرة المغرضين بأننا رهن النفط، وهو ما جعل وزارة المالية، تستبق ميزانيتها لعام 2024 بأضخم ميزانية تقديرية تاريخياً، ليرتفع الانفاق 12 % العام القادم عن العام الحالي، بما يعني زيادة 4 % في عام 2025، و5 % خلال 2026 من خلال الحفاظ على مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية وهو ما يعكس استمرار التركيز على التوسع التنموي والإنفاق على المشاريع الضخمة ودعم النمو الاقتصادي في ظل حالة الترقب والهلع مما يواجهه الاقتصاد العالمي نتيجة التحديات الناجمة عن التوترات الجيوسياسية الراهنة والضغوط التضخمية وارتفاع أسعار الفائدة ومخاطر الركود الاقتصادي
إنها الرابعة في سلسلة ميزانياتها المتتالية في (تريليونية عُظمى) تُقدرها المملكة عبر تاريخها منذ عام 2019، فنجد نجد الإيرادات عند 1.172 تريليون ريال، بينما المصروفات بلغت 1.251 تريليون ريال بعجز وصل 79 مليار ريال (أي ما يعادل - 1.9 % من الناتج المحلي)، لتكون الزيادة الإيرادية رغم تراجع سعر النفط عن عام 2023، وخفض إنتاج تحالف «أوبك+»، في صورته الإيجابية للتوقع الاقتصادي لنمو عام 2024م، منذ بداية عام 2021م، وهو ما حدا بوزير السياحة السعودية لإعادة النظر في هدف المملكة المُعلن بزيادة في أعداد السياح والزوار في عام 2030 من 100 مليون زائر إلى حوالي 150 مليون زائر بمن فيهم السياح المحليون، وما يثبتُ ذلك اعتراف منظمة السياحة العالمية بأن السعودية هي الأسرع نمواً بين الدول العربية في جذب السياح الدوليين، حيث استقبلت في عام 2022 أكثر من 16.6 مليون سائح بنمو بلغ 378% مقارنة بعام 2021، وبالتالي توقع إيرادات الميزانية خلال العام الجاري 2023 بعجز 82 مليار ريال أي - 2 % من الناتج المحلي، يجعل النمو للعام الذي يليه بالتوالي عجز 73 مليار ريال أي حوالي - 1.6 % من الناتج المحلي، ليصل إلى 109 مليارات ريال أي ما يعادل -2.3 % من الناتج المحلي.
ومن خلال تحليل المخاطر المالية والاقتصادية التي تواجه العالم نجد نجاح المملكة في تبني سياسات واستراتيجيات فعالة للتعامل مع هذه المخاطر والأزمات لاسيما التوترات الجيوسياسية التي أثرت سلباً على سلاسل الإمداد العالمية، حيثُ رفعت وكالة فيتش تصنيف المملكة من A الى A+ مع نظرة مستقبلية مُستقرة، وكذلك وكالة موديز صنفتها عندA1 مع تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية، نتيجة للاستمرار في تطوير السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية على المديين المتوسط والطويل، مع الإبقاء على مستويات الدين عند معدلات تعد منخفضة مقارنة بالدول ذات التصنيف الائتماني السيادي المماثل للمملكة.
-ولله الحمد- أثبتت القوة الاقتصادية للمملكة فاعليتها بل وأثرها العالمي بما تتمتع به من وضع مالي متين، مع وجود احتياطيات مالية مستقرة ومستويات دين عام مستدامة يُمكنها تجنب الأخطار بدليل أن التضخم العالمي للدول المتقدمة وصل لأكثر من 34%، بينما كان لكامل عام 2023م بالمملكة حوالي 2.6 %، بل ولم يُؤثر ذلك على تنفيذ المشاريع والاستراتيجيات، فالحكومة الرشيدة تعمل على الاستمرار في الاقتراض وفقاً لخطة الاقتراض السنوية المعتمدة لتمويل العجز المتوقع في الميزانية وسداد أصل الدين المستحق العام القادم، مع البحث عن الفُرص المُتاحة والحلول المُمكنة لتعزيز النمو الاقتصادي ذا الأثر الإيجابي للعوائد الاقتصادية والاجتماعية الممكنة لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.