فهد بن أحمد الصالح
المربي/ أحمد بن عبدالعزيز السناني
يَعظم الفقد بعظم أثر المفقود، ويزداد الحزن إذا كان على علاقة متينة بالأب، وصاحب رسالة في التعليم والتربية، وإمام مسجد وجار، وصاحب مكارم أخلاق، وينثر السعادة بالابتسامة، وصاحب عنوان عريض في حياته بكرمه وبشاشته وحفاوة استقباله ودقة سؤاله وعنايته ويشعرك في حضرته أنك أغلى من زاره وأكرم من قصده بالسلام، له وجه وضّاء وروح محبة، يذكرك بماضي والدك وصداقته له وارتباطه به الذي لا ينفك عن ذكره لتعرف ما كان عليه أبوك من فضل وحسن علاقة به وبغيره من الناس، ولولا أن الموت سنة الحياة فسبقنا الأجداد ولحق بهم الآباء وسيتبعهم الأبناء إلا أن فقد مربينا وصديق أبينا الوالد الشيخ أحمد بن عبدالعزيز السناني كبير جداً على من عرفه وتعلم منه وجاوره لأكثر من 5 عقود، وإن كانت علاقة الأسرة بالأسرة والوالد بالمربي تتجاوز الـ 8 عقود.
ونحن لا نزكي على الله أحداً، ولكن الناس شهود الله في أرضه، وقد أوجبت الجنة بجنازة شُهد لها بالخير، وأشعر بتطابق ما عليه المربي الفاضل أحمد بن عبدالعزيز السناني بالحديث الذي عن عبد الله بن عمر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد، وكذلك حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنةَ أقوامٌ أفئدتهم مثل أفئدة الطير. رواه مسلم.
وسيرة المربي والمعلم والوالد أحمد السناني لا يحيط بها مقالات ولا ترصدها عبارات ولا تعبر عنها عبرات لأنه كان كالظل على من درس عنده وعلمه وتعلم منه في المدرسة العزيزية الابتدائية بالمجمعة وما قبلها وما بعدها، وهو كنسمة الهواء العليل على من جاوره وصلى خلفه سواء في مسجدنا القديم (ابن صقر) أو في المسجد الجديد المجاور لمنزله، وكنت أشعر بعناية خاصة لنا إخواني وأنا، ويتحمل كثيراً شقاوة الطلاب في الابتدائية وإذا رأى مني خاصة ما يزعجه أو وجدني مع مجموعة مشاكسة يقول لي (ترى أبوك يا فهد سامح لي بعقابك) فأستحي منه وأعتذر له، وأذكر له رحمه الله العديد من المواقف التي تظهر فيها رسالته الدقيقة في التربية وحسن التوجيه والرفق، ولا أنسى أن مدرستنا الابتدائية سُرقت فأتوا بقصاص الأثر لعلهم يجدون من بين الطلبة من يدلهم على خيط في هذا السر فرفض أن يقابلني قصاص الأثر وقال له (هذا على مسؤوليتي ليس له علاقة بما حصل في المدرسة) فقال قصاص الأثر لي هل هو قريب لك فقلت هو مدير المدرسة وإمام مسجدنا فأعفاني من بقية التحقيق، وكان رحمه الله قريباً من والدي ويودع سره عنده وهو كاتب خطاباته ومرسل برقياته، ويحرص على الالتزام بأوقات الصلاوات خاصة صلاة العصر التي يخرج بعدها والدي رحمهم الله إلى السوق الذي هو مكان تجمع وجهاء المجمعة والأهالي، وتربطه رحمه الله علاقات شخصية مع كل جماعة المسجد وأذكر أن للصلاة خلفه في رمضان رونقاً خاصاً، وفي وتره ودعاء القنوت حضور وتجلٍّ ليس إلا له، ويحرص على ما كان يصاحب صلاة القيام من عادات جميلة اندثرت وللأسف الشديد، واستمرار حرصه أن يجعل ما بين التسليمات من ضيافة يتداول بين جماعة المسجد «رحم الله الجيران جميعاً ورحم والدي وأعمامي ورحم معلمي أبوخالد».
وتشرفت بزيارته رحمه الله بعد إجازة عيد الأضحى المبارك في منزله العامر ببشاشته والناس وفي معية إخواني حفظهم الله وأدام وجودهم وفضلهم، ومجلسه كعادته لا يخلو من المحبين له ووجه تعلوه ابتسامة وفرحة بمن يفد إليه، وأعاد لنا بعض القصص والمواقف مع والدي رحمهم الله والجيران وفي المدرسة مع تأكيده بدوام التواصل والزيارة، وقبل وداعه سألته إن كان قد دوَّن شيئاً عن سيرته والمواقف والذكريات المتنوعة التي مرت به من وقت تعيينه معلماً في المنطقة الشرقية حتى تقاعده في المجمعة، قال للأسف لم يدونها وكعادة العظماء في تواضعهم يعتبر أن ما قدمه وعاشه لا يستحق التدوين، وكنت أرتب لزيارة أخرى مع ابنه الصديق والأخ محمد الذي رتب لنا الزيارة مشكوراً لأرويِ بعض الظمأ من حديثه القريب للنفس ولكن لم يمهلنا رحيله لمزيد من الواجب له.
ختاماً.. دون شك أن رحيل القدوات مؤلم وأثره يطول ولكن لن نعدم الفضلاء من مدراء المدارس والنبلاء من المعلمين الذين أخذوا عنهم وعاشروهم وتعلموا منهم لأن رسالة التربية والتعليم الصادقة والسليمة هي أساس المجتمعات ومهما تعاقبت الأجيال يبقى غرس الفضائل ومكارم الأخلاق يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، وأسأل الله أن يجعل في صديقي وزميل دراستي وأخي خالد ابن معلمي أحمد بن عبدالعزيز السناني وإخوانه خيراً لوالدهم وامتداداً لذكره الطيب والإحسان إليه والصدقة عنه، وأسأل الله أن يجمع شملهم ويوحد كلمتهم ويصلح نياتهم وذرياتهم، وألتمس أخيراً من إدارة التعليم بالمحافظة إطلاق اسمه على مكون من مكونات المدرسة العزيزية (المكتبة أو القاعة الرئيسية أو أحد المباني الملحقة بها) تخليداً لأثره ووفاءً له مع طموح خاص في كتابة متخصصة لمن عمل معه بالمجال التربوي.