اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
من المعروف أن الاهتمام باليوم الوطني نابع من اهتمام المواطن بوطنه الذي ينتمي إليه ويرتبط اسمه باسمه ويعود إليه الفضل في وجوده، وما يتمتع به من الخيرات والأمن والأمان داخل حدوده.
وحب الوطن غريزة فطرية متأصلة في نفس المواطن تجعله يألف وطنه، ويجد متعته وراحته النفسية في العيش فيه، ويحن إليه إذا ما ابتعد عنه، كما يدافع عنه إذا ما اعْتُدِي عليه، ويغضب له عندما يحاول أحد النيل منه أو الانتقاص من قيمته، وقد قال الشاعر:
بلادي هواها في لساني وفي فمي
يُمجِّدها قلبي ويدعو لها فمي
ولاخير فيمن لا يحب بلاده
ولا في حليف الحب أن لم يُتيَّم
وبما أن الوطنية تعني حب الوطن والإخلاص من أجله والتضحية في سبيله، فإن الإنسان الذي يوصف بأنه وطني هو الذي يحب وطنه ويؤدي واجباته تجاهه بإخلاص مع التضحية في خدمته والدفاع عنه والعمل على استقراره وكل ما يرفع من شأنه ويعلي مكانه بين الأوطان.
ونظراً لأن الوطن محل فخر بالنسبة للمواطن والانتماء إليه يمثل مصدر عز وشرف له، فلا غرابة أن يكون الوطن هو المحرك الأول لمشاعر المواطن وحوافزه نحو تأصيل مفهوم الانتماء إليه وتأدية ما عليه من واجبات وحقوق نحوه والدفاع عنه باللسان والسنان.
واليوم الوطني بالنسبة للمملكة هو اليوم الذي أعلن فيه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - توحيد البلاد تحت مسمى المملكة العربية السعودية، وهو يوم مشهود استطاع فيه الملك عبدالعزيز بعد معارك شديدة وجهود جهيدة أن يجمع شتات البلاد ويوفر الأمن للعباد بفضل ما تم على يده من أعمال بطولية وتضحيات عظيمة من قبل رجاله المخلصين الذين ضحوا بالنفس والنفيس تحت قيادته حتى تحقق التوحيد وانفسح المجال للبناء والتشييد واقترب البعيد وبالتالي دخول التاريخ من أوسع أبوابه والتحكم في ذهابه وإيابه وقد قيل: الأيام مزارع، فما زرعت فيها حصدته.
والاحتفاء باليوم الوطني يجسد صورة وطنية ولوحة انتمائية وملحمة بطولية ذات أبعاد تاريخية وشواهد حالية ومستقبلية يتم على ضوئها الربط بين الماضي وذكرياته والحاضر ومعطياته والمستقبل وتداعياته بالنسبة للوطن والمواطن على النحو الذي يضمن المحافظة على هيبة الوطن وكرامته وسيادته مع التأكيد على الالتزام بالدفاع عن الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية والانتماءات الدينية والوطنية والقومية.
وفي هذا اليوم الذي تحتفل فيه المملكة بيومها الوطني الثالث والتسعين يقتضي الموقف دعوة الشعب إلى تجديد الولاء للقيادة والالتفاف حولها، وتحمل المسؤولية الوطنية تجاه الوطن والالتزام الصادق بخدمته والحرص على أمنه واستقراره والانتماء إليه والتضحية من أجله والاستشهاد تحت رايته وقد قال الشاعر:
إذا عظَّم البلاد بنوها
أنزلتهم منازل الإجلال
تْوَّجت هامهمْ كما توجوها
بكريم من الثناءِ وغالِ
ومن أهداف الاحتفاء باليوم الوطني الربط بين الحاضر والماضي بما يخدم المستقبل، وتقوية العلاقة بين الشعب والقيادة، وتأكيد المسؤولية الوطنية بالنسبة للمواطن وتعزيز انتمائه إلى وطنه وإخلاصه لقيادته، كما يهدف إلى مد الجسور التاريخية والرجوع إلى المرجعيات الانتمائية التي تربط بين السلف والخلف وتدفع إلى مواصلة المسيرة إلى الأمام من خلال اتخاذ الماضي وموروثه العريق جسراً يتم العبور عليه لإثبات الوجود في الحاضر والتطلع إلى المستقبل.
وبناءً على ما سبق فإن الاحتفاء في هذا اليوم بقدر ما يُبين مآثر الآباء والأجداد لكي يطلع عليها الآباء والأحفاد، بقدر ما يهدف إلى استثمار ذلك والاستفادة من الماضي بما يخدم الحاضر وإنجازاته والتطلع إلى المستقبل الواعد وطموحاته.
وقد تعاقب على قيادة المملكة أبناء الملك عبدالعزيز من بعده، وكان كل منهم يمثل خير خلف لخير سلف وصولاً إلى الملك سلمان وقيادته الرشيدة ونظرته البعيدة، وما يسديه من توجيهات سديدة إلى ولي عهده الأمين الذي تحمل المسؤولية القيادية والوطنية بهمة عالية وعزيمة صادقة بالشكل الذي جعله يتجاوب مع المسؤوليات الجسيمة والمهام العظيمة بكل حزم وعزم واقتدار، مضفياً على العهد الجديد تميزاً فريداً وطابعاً جديداً تشهد عليه المبادرات المتواترة والإصلاحات المتكررة والنجاحات المستمرة.
ومن حسن الطالع أن المملكة تحتفي بيومها الوطني وقد خطت خطوات واسعة وقطعت مسافات شاسعة على طريق الإنجازات وتحقيق الطموحات والتطلعات بفضل قيادتها الملهمة ذات الهمة العالية، وما أنجزته من إنجازات وأحدثته من إصلاحات في جميع مجالات الحياة.
واليوم الوطني يعتبر شاهد عصر على ما حققته المملكة من منجزات تنموية ونجاحات استثنائية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والأمنية والتنموية والسياحية والرياضية والتقنية حيث فعلت رؤية 2030 مفعولها وتحولت المملكة إلى ورشة عمل تتمحور مناقشاتها ونشاطاتها حول مستهدفات الرؤية وكيفية الوفاء بمتطلباتها ومعرفة طرق تحقيقها.
والمملكة تعلم علم اليقين أن الانتماء إلى العصر الحديث يستدعي الذهاب بعيداً في الأخذ بناصية العلوم والمعارف والصناعة والتكنولوجيا الحديثة والتعامل مع العالم الرقمي، مما حفزها إلى مراعاة ذلك والعمل بمقتضاه في سبيل نجاح رؤيتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية.
وترتيباً على ذلك فقد اهتمت المملكة بقطاع الرقمنه والاستخدام العالي للتقنية، مثبتة قدرتها التنافسية ضمن مجموعة العشرين، ومحتلة مركزاً متقدماً على المستوى العالمي، كما تميزت المملكة في مجال الأمن السيبراني بحصولها على المركز الثاني عالمياً والمركز الأول في الشرق الأوسط وقارة آسيا ولها باع طويل في مجال الذكاء الاصطناعي.
والمملكة تحتل قصب السبق وذات سيادة في مجال الطاقة ولها تاريخ طويل وقدم صدق في التعامل مع هذه المادة بما يفيد المنتج ويخدم المستهلك، مما جعل منها نموذجاً يحتذى به في مختلف المجالات سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي.
والإنجاز التنموي في الداخل يقابله إنجاز سياسي في الخارج حيث تحتل المملكة مكانة الصدارة في المعترك الدولي وأصبحت رقماً محسوباً في ميدان المنافسة الدولية حيث تكسب الرهان ويشار إليها بالبنان.
والوطن المنجز هو الوطن الطموح الذي يميز القائمون عليه بين ثوابت الدين ومتغيراته ولديهم القدرة على ترتيب أولويات الحياة وتشجيع المواهب والارتقاء بمستوى الخدمات وتطوير الأنظمة كما هو الحال بالنسبة للمملكة التي تمكنت بفضل براعتها ومهاراتها من إحداث التحولات المرتبطة بإطلاق المبادرات والمنصات وسن الأنظمة والقوانين التي تؤثر في المجتمع وتُحدث التغيرات والإصلاحات المطلوبة وتقف سداً منيعاً وحاجزاً قوياً ضد الفساد والممارسات المثبطة والمحبطة.