د. إبراهيم بن جلال فضلون
تغير العالم بشكل ملحوظ، مؤكداً فشل العولمة، لينتظر كوكبنا يوم صحوة قادم للأسواق، ومعه ستختفي فيه تريليونات الدولارات إلى الأبد في لمح البصر. ولا ننسي تضخم عام 2011، عندما انزلقت أوروبا إلى أزمة الديون وأغرق الأسواق بالأموال المطبوعة وخفض أسعار الفائدة إلى المنطقة السلبية استوعبته الأٍسواق، لكنه انعكس على ارتفاع الأسعار في جميع فئات الأصول، ليضرب التضخم أوروبا فهي تُعاني من حالات إفلاس جديدة كل يوم.
لكن القارة العجوز تشهد وضعا أسوأ في عام 2023، فبينما كان الاتحاد الأوروبي في العام الماضي قادرا على تخزين الوقود لتوفير الاستهلاك العالمي والطلب على الكهرباء، فإن هذا الاحتياطي من الوقود والغاز الروسي بدأ في النفاد.. وبينما عزز الأوروبيون وجودهم بدول العالم الثالث لا سيما إفريقيا التي رفعت قضية «طلاق»، ولم تستجب لبيت «الطاعة»، حتى خلعت فرنسا من حياتها بفضل سياسات «مايكرون» البلهاء، وخسرت ألمانيا وغيرهما من دول أوروبا حدائقها الإفريقية، بل العربية.. فشهدت أسعار الخضراوات قفزة كبيرة في أوروبا، خاصة بريطانيا، وارتفعت معدلات البطالة ونسَب الفقر ارتفاعًا لافتًا للنظر بدول أوروبا في العامين الماضيين؛ فكما عانت بطون الأبرياء في العالم منهم، جاء الدور عليهم في تقرير منظمة «انقذوا الأطفال» الألمانية بأن حوالي عشرين مليون طفل في دول الاتحاد الأوروبي معرضون لخطر الفقر لأسباب منها الزيادة في تكلفة المعيشة وأزمة المناخ وجائحة كوفيد - 19، وكلها أسباب لهم اليد الطولى فيها كأزمة المناخ المقلقة عالمياً، زاد عليها قساوة «الحرب الروسية - الأوكرانية» ودعمهم للأخيرة؛ ما قد يُضعف قدرات دول التكتل الأوروبي التي أصبحت تواجه مخاطر اقتصادية واجتماعية تاريخية جرت اقتصاداتها والاقتصاد العالمي إلى منزلقات لا يمكن الخروج منها.
فكيف تستطيع الأسواق المالية، أن تتوقع انخفاض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوى لها منذ خمسة آلاف عام. والابتعاد عما كان في عامي 2008 و2020. والتي لم تتكرر فيها سلسلة الزيادات المهلكة لأسعار الفائدة حتى خلال الحروب وأيام سقوط الإمبراطورية الرومانية، والكل يكتب عنواناً واحداً: «هذا لا يعني أن أسعار الفائدة لا يمكن أن تنخفض: بل يمكن أن تنخفض». لكن ما هي الملحمة القادمة؟ يتطلب ذلك انهيار التضخم، الذي سجَّل نسب كبيرة بلغت في ألمانيا بنهاية أكتوبر الماضي 11.5 في المائة، وفي إنجلترا بنهاية عام 2022 إلى 10 في المائة؛ وارتفعت في إيطاليا بنهاية نوفمبر الماضي إلى 8.5 في المائة، وفرنسا بنهاية سبتمبر الماضي 7.5 في المائة؛ وهي نسب كبيرة في التاريخ الحديث لهذه الدول، أو منذ الحرب العالمية الثانية. ولا تتوقع البنوك المركزية في الدول الأوروبية تحسُّن نسب التضخم قبل عام 2024، بينما وصل بدول خليجية كالسعودية -ولله الحمد- 2 في المائة فقط.
إن الوضع ميئوس منه، وفق خبراء الاقتصاد والاستثمار الذين ينصحون بتوخي الحذر الشديد. كرئيس (جي بي مورجان) التنفيذي، جيمي ديمون، في مقابلة مع صحيفة تايمز أوف إنديا، حذر من الركود التضخمي العالمي، يقول ديمون: «انخفضت أسعار الفائدة في البداية إلى الصفر. ولم تكن الزيادة من صفر إلى 2 في المائة زيادة كبيرة، لكن صدم العالم قفزتها من الصفر إلى 5 في المائة، وقد تصل إلى نسبة 7 في المائة أيضًا، لا تتحملها الأسواق، فالوصول إلى أعلى المستويات في أسواق الأسهم لعقود من الزمن ينهار أمام أعيننا.. وقد صدق على ذلك «ميجيل جوميز مارتينيز»، عميد كلية الاقتصاد بجامعة ديل روزاريو، بأن العالم يمر بوضع معقد للغاية: «لقد شهدنا العديد من المواقف الصعبة، ولكن ليس هناك ما هو أصعب مما يحدث في العالم وفي كولومبيا، نحن في لحظة أصبح فيها ما بدا مستحيلاً ممكناً»، خاصة وحدود «بريكست» تُكشر أنيابها للعالم الغربي، و»بريكس».. ذلك التحالف الذي هز كبرى الاقتصادات وتتهافت إليه الدول، بينما لاح في الأفق التمويل الأمريكي الطارئ لتجنب شلل الإدارة الفيدرالية الإغلاق وتسريح موظفيها لعدم وجود رواتب لهم.. وليست الأخيرة في عهد بايدن العجوز بل سبقها شلل الميزانية في الولايات المتحدة 35 يوماً بين ديسمبر 2018، ويناير 2019 في عهد الرئيس ترمب.