علي الزهراني (السعلي)
أحداث متلاحقة، مصائب تهزّه هزّا، زجاج بداخله تهشّم تنثّر تمزّق في أشلاء روحه.. ماتت أُمّهُ بحّ صوته وهو يناديها، مرض ولده فلذة كبده والقدر يضرب بسياطٍ دون رحمة وهو صابر محتسب يرفع راية بيضاء في معركة الحياة وهو مبتسم كان الحرف ملاذا له يلتجئ إليه مأوى في مغارة الذكريات، قدماه تشققت طوافا في بيته يسأل لماذا يارب أنا، لماذا القدر ينصبّ فوق رأسي رصاصا، مَنْ سرق الفرح من عيني،،؟ كل هذه الأسئلة تنتهي بدمعات في آخر الليل، وهو يستقبل الَربّ باكيا…
حتى حين أراد أن يتصالح مع حزنه، ويصافح غمه ،ويتجاور مع همه، ويصاحب الصبر متخذا إياه رفيقا في طريق الكآبة، أبت المشيئة إلا أن تزيده ضربا تزوّج تكلّف قفزا فوق حواجز الرحيل والمرض حاول أن يرسم على فمه ابتسامة منطفئة، وفي عينيه بريق فرح مزيّف ولا يزال حرفه في المهمات صديقه ونديمه يطبطب على كتف صرخة منه إن خرجت أبكت الظالمين وحيّرت المفكرين والناس في الأزقة يقولون : يارب سَلّم سِلّم!
واستمر يكتب في دفتر أحمر كلما زاره الحزن ليلا لم يتغير شيئا نهاره ضباب ومطر من عذاب وليله سيل عارم يطفو يلجمه إلجاما، سألته في مقهى الأعمال: لماذا يا صديقي لا يزال الحزن يسكنك وتحت جفنيك سواد الدموع وعلى خديك طريق غير معبّد؟ أطرق رأسه نكّسه رفعته بلطف سألته ودمعة حائرة كادت أن تسقط: هوّن عليك ياتوأم روحي تكلّم أفرغ ما بداخلك؟
تلعثم لسانه وجحظت عيناه وشبّك يديه خلف رأسه متأوّها، ولم ينبس ببنت شفة، القهوة وحدها تحدثت حين سقطت من على الطاولة إربا
إربا!
أًوصلته لشقته وهو ذاهب إليها أحسست أن قيودا في يديه وسلاسل في قدميه يسحبانه في ساحة الحسم منتظرا حكما يقبّل رقبته معتذرا!
طلقها بعد رفيقة دربه التي رحلت إلى الغمام طردها أحرق فستانها الأبيض كسّر صورته وبنته الكبرى تبكي وقال: حتى وابتسامتي لم تكتمل والفرح غائب عني واستلف من وجوه الحاضرين بعض ضحك معنّى بتمثيل فاشل تأتيني زوجة في ثياب رجل، أنثى بلسان ثعبان سيدة بعيني ثعلب امرأة بلا ملامح حياة كلها ممالح….
قلت له بعد لقاء آخر: لعل في كل ذلك خير! تركت دموعي عنده لم أعد أحتمل وهو منكبٌ متوسدا ذراعيه بعد أن جاءه اتصال من أخيه يكمل مسلسل المعاناة بفقد أبيه، أخرجت علبة أردت إشعال لفافة منها وما بين قدّاحة قوية نارها واحتراق مقدمة السيجارة أحسست بقبس تأكلني حطمتها تحت قدمي وعدت لصديقي مطبطبا معزيا فقلت له : بإذن الله هناك فجرٌ بين ليلين أعدتها مرارا برفق عند أذنه، فقام فجأة وقال : هناك حزن بين غمين… أوصلته هذه المرة عند سيارته ممتطيا، ودفعت حقيبته فيها وسلمني ورقة كان كتبها في المقهى وحلّفني ألا أفتحها إلا يوم غدٍ!
اطمأننت عليه وهو يسابق صوته مودعا، تركته ليومين شديدين عليه وعليه، عاودت الاتصال مغلقا…. قلق ساورني كثيرا… حاولت السؤال عنه من أخيه الأكبر قال: صاحبك عند قبر أبيه فارق الحياة.
سطر وفاصلة
سأغلق بابا وأدلف من أبواب متفرقة
سأترك عند باب الكتابة هّمّا أبكاني
سأتجه لقبلتي وعند محرابي مصليا
فارحا غارقا بدموع فرحٍ أني ذاك الفتي
وحرفي حول حنقي قلادة يشعّ غراما بي
وعند الخروج من صومعة فكري يسارا
في نقطة من أول سطري:
أسأل الفضل من الله متعوذا من شيطاني
ناثر حبر ريحاني