د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في الخامس من أكتوبر الجاري احتفى العالم بالمعلم في يومه المشهود.. والمعلم في العالم أجمع جدير بذلك الاحتفاء التحفيزي الموقر. وإن كان اللوم على المعلمين يتوالى حين تقاصر النتاج والنتيجة دونما فحص مسبق لسلالم الصعود الأخرى التي لم تمسها يديه! وبمنظور عام فنحن نسعِدُ ويسعَدُ المعلمون بتلك الحفاوة العالمية السنوية؛ واللافت أن كل مقتنيات العقل البشري ومشاهداتنا من خلاله قد تبدلتْ في أنماط مختلفة شكلاً ومضمونًا عدا شكل الفصل الدراسي الذي يقطنه المعلمون مع طلابهم في جزء كبير من أوقاتهم حتى أن الطلاب أصبحوا يعتقدون بثبات مستوياتهم الذهنية مثل ثبات النموذج الذي يُصنع لهم ليتقابلوا مع معلميهم بين جدرانه! وقد لا يقتنعون بزيادة إيراداتهم التحصيلية عمَّا هو بداخله! ولأن تعزيز شخصية المتعلمين مطلب ملح فيلزمنا شكل جديد؛ ونموذج مرن لاحتضان المتعلمين ومعلميهم؛ وصناعة الوعي الجمعي عند المعلمين واستخدام المعرفة؛ ومنظومة القيم كقوى كبرى لإقناع المتعلمين والتأثير عليهم؛ ودائمًا ما تُحثُ الخطى للاستفادة من إمكانات المعلمين اتكاءً على أهمية تراكم الوعي الذي يتم من أجل نقل المعرفة المجردة بعد ضخ الحياة والحركة في إهابها لصناعة المتعلم الكفؤ الذي ينشده الواقع التنموي، ولأن الدوائر المحيطة بواقع المتعلمين في سباق حضاري لصناعة التفوق عندهم وفق رؤية عميقة، وحتى نكون أقرب للصواب فإن كل صيد موجه لواقع المعلمين لابد فيه من إصلاح النظام والممارسات أولا! ويبحث المهتمون بالشأن التعليمي التربوي في أولوياتهم عمَّا يحجب عن الطلاب فضائل ذلك الإعداد، ويعجزهم عن خوض مغامرة الفضول والمعرفة على الرغم من أن كل الفضاءات مفتوحة على الممكن والمتاح والمستحيل. ولا علاقة للحكم بضعف المخرجات بما يتداوله الناس، وإنما هي نتاج قياس محلي وعالمي من خلال البحوث التقويمية، وإن لم يكن ذلك تعميمًا! فقد تكون دوائر البين بين المعلم والمتعلم متسعة مع اتساع الحراك في المحيطات التعليمية حتى أصبح معلمونا يختزنون التعليمات التنظيمية في مساحات عقولهم أكثر من المعلومات العميقة فتبع ذلك الفقد في كثير من عقول الطلاب، ونحن جميعاً نتفق أنه يجب أن يكون التعليم تحت كامل السيطرة وأنْ تسلّم جميع عناصره قيادها للمتعلمين بكل سهولة من خلال تبني مؤسسات التعليم التشريعية منهجيات جديدة لاستقطاب المعلمين من طلبة المدارس وهم على مقاعد الدراسة في العليم العام في مراحله المتقدمة قبل أن تتلقف الجامعات من يرغب ومن لا يرغب، ولابد أن تُبنى برامج الاستقطاب للراغبين في التدريس بتحفيز متكامل منطلقه الرغبة والاستعداد والتميّز في التخصصات المطلوبة؛ كما يتطلب ذلك تصميم برامج تهيئة لأولئك المستقطبين قبل دخولهم مؤسسات الإعداد التربوية (الجامعات)، كما أنه لابد من تخصيص مدارس كاملة تابعة للجامعات تكون محضناً لتطوير أداء أولئك خلال سنوات الدراسة مهاريًا وتخصصيًا، وتكون صلة الطلاب بتلك المدارس متصلة منذ التحاقهم بالجامعات وبعدها، وفي ذلك كله دعم للناقل التربوي [المعلم] والذراع الأول في ميدان التعليم بما يحقق مردودًا إيجابيًا ويبني إطاراً مؤسسياً لاستقطاب المتميزين للتدريس واستقرارهم في مواقع الاحتياج. وهذا مماثل لما تصنعه الشركات الكبرى باستقطاب المتميزين من الطلبة ودفعهم إلى محاضن أكاديمية تتوافق مع المعايير التي تنشدها تلك المؤسسات؛ وتلك الرعاية الضافية تصنع للمعلمين أسباب التميز بعمق التكوين المعرفي, ووجود الحوافز التي تحركهم نحو الاتجاهات المشرقة, حتى تكون مهنة التعليم تاجًا يتنازعون ارتداءه، وحتمًا سوف يملك أولئك القدرة على التحول وإحداث الفرق والمتعة عند المتعلمين. ففي بعض الصور المضيئة يلج المعلم إلى أرواح الطلاب بعدما يأخذ حيزًا من عقولهم؛ كل ذاك مشاهد ومسموع ومنقول, ولعلنا بذلك نركب البدايات الصحيحة؛ فنوكل مهنة التعليم الشريفة إلى أهلها،،
ولأن التعليم تربع وجوده في كل دار ودائرة، فلابد من التعديل المستمر في التصورات الذهنية التي يحملها المتعلمون في بنيتهم العقلية عن العالم المتجدد وعن محيطهم وواقعهم؛ وإيقاظ لإبداعات والطاقات والقدرات الكامنة عندهم حتى نضمن تحقيق القيمة المضافة لقدرات المتعلمين؛ ولن يتأتى التركيز على التطوير التعليمي إلا بعد إحداث تصحيح ممنهج لقناعات المعلمين وما يؤمنون به من مفاهيم التعلم؛ وأن عقول المعلمين أيضًا تحتاج إلى شحذ وتغذية ونمو وتجديد وخبرات حديثة بين الحين والآخر في مجال المعرفة كل وفق اختصاصه؛ ومن السيطرة الحقيقية على لب التعليم ومسيرته أن لا تكون المعايير المهنية المصاغة لتشكيل الأطر المهنية والقيمية للمعلمين فضفاضة بعموميات لا يمكن قياسها وتحري تحققها على أرض الواقع!
ويطيبُ لي جنيُّ المفاخر أنني
كنتُ المعلم في السنين الأولى