خالد بن حمد المالك
إذا ما تم التطبيع في العلاقات السعودية الإسرائيلية بشروط الأمير محمد بن سلمان، فإن هذا يعد اختراقاً تاريخياً وعظيماً لهذا الصراع مستعصي الحل منذ أكثر من سبعين عاماً، وإذا ما جاء الحل مقروناً بتلبية حقوق الفلسطينيين وفق صيغة توافقية ترضي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، كما يسعى إلى ذلك الأمير محمد بن سلمان، فإن هذا يعد إنجازاً كبيراً ومهماً ينهي المزايدات والأحلام الخيالية على مدى أكثر من سبعة عقود.
* *
وما يقوم به الأمير محمد هو امتداد لمساعٍ قام بها جده الملك عبدالعزيز، ووالده الملك سلمان، وأعمامه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، من التزام ثابت في الدفاع والعمل على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق، انسجاماً مع السياسة السعودية التي لا تساوم على الحقوق الفلسطينية، وتقبل بما يقبل به الشعب الفلسطيني وقياداته، مع مراعاة التطورات والمتغيرات، واستخدام سياسة المرونة في التعامل معها، بحيث لا تفوت الفرص، ولا تكون المطالب بأكثر من الممكن تحقيقه، وضرورة التعامل مع سياسة التنازلات التي تحفظ للفلسطينيين المتاح تحقيقه في الوقت الحاضر، وتسهيل الحياة لهم.
* *
منذ توحيد المملكة على يدي الملك عبدالعزيز، قبل أكثر من تسعين عاماً وإلى اليوم، وهي معنية بإرساء السلم، وتؤكد في كل مناسبة أنه لا سلام دون إيجاد حل لمعاناة الشعب الفلسطيني، وظلت على هذا المسار في سياساتها، انطلاقاً من أن مكاسب إسرائيل في حرب 1967، وضمها الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، إنما هو عدوان وتصعيد خطير، يهدد فرص تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ويحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة.
* *
لهذا جاء التوجه نحو تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل متناغماً مع سياسة الرياض الداعمة للقضية الفلسطينية، وامتداداً لمبادرتي الملك فهد ثم الملك عبدالله في مشروعي السلام اللذين وافقت عليهما جميع الدول العربية، وعارضتهما إسرائيل، لأنهما يمنحان الفلسطينيين حق إنشاء دولة على أراضي ما تم احتلالها في حرب 1967م، ولأن الحل لن يتحقق إلا بتنازلات مقبولة من الطرفين، ومن أجل تحريك هذا الحل كانت مباحثات ولي العهد محمد بن سلمان مع الرئيس الأمريكي بايدن، وصولاً إلى تحقيق ما يلبي التطلعات الفلسطينية، إذا ما قبلت إسرائيل بشروط الرياض.
* *
التطبيع هو جزء من تاريخ سعودي طويل في إيجاد مخرج لاستدراج الجانب الإسرائيلي للقبول بما هو مطروح الآن، واستقطاب الجانب الأمريكي بحكم تأثيره القوي على إسرائيل لإنجاح ما توصل إليه الأمير محمد بن سلمان، من أن يكون للتطبيع ثمناً يستفيد منه الشعب الفلسطيني، أي يلبى الممكن من حقوق الفلسطينيين مقابل التطبيع، وإن تم ذلك وتحقق للفلسطينيين حياة طيبة فإن إسرائيل ستكون أحد اللاعبين في الشرق الأوسط، فخيار السلام يأتي من خلال إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من مبدأ الأرض مقابل السلام، وليس السلام مقابل السلام.
* *
نتمنى على بعض الفلسطينيين والعرب (المفلسين) عدم التشويش والتشويه على الموقف السعودي بالتوجه نحو العلاقات مع إسرائيل، لأن هذا التوجه ينطلق من المواقف السعودية المتكررة في خدمة القضية الفلسطينية، حيث كان لها الأولوية، وعلى جدول أعمال الرياض في كل مناسبة، حتى أن العلاقات السعودية الأمريكية كانت تتعرض للاهتزاز، وأحياناً للضعف والتراجع بسبب الموقف السعودي الثابت في معارضة المملكة لأمريكا في سياساتها الداعمة والمنحازة لإسرائيل، واليوم هاهي المملكة تقوم بالضغط على أمريكا للقبول بشروط المملكة لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، وقبول إسرائيل بالالتزام بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
* *
وما حدث أمس من اقتحام العناصر المسلحة في غزة للمستوطنات الإسرائيلية، وقتل وإصابة وأسر العشرات من الإسرائيليين، ومثل ذلك من هجوم إسرائيلي على غزة وقتل وإصابة العشرات يظهر الحاجة الملحة للتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، وقبول إسرائيل بحل الدولتين، واستثمار فرصة استعداد المملكة للتطبيع مع إسرائيل، إذا ضمنت للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، ومن الخطأ أن تتصور إسرائيل المدعومة من أمريكا ودول أوروبا أنها يمكن أن تحتفظ بالأرض وتتمتع بالسلام معاً، ولعلها تستفيد من درس أمس الدموي الذي أظهر حاجة إسرائيل إلى السلام، كما هو حاجة الفلسطينيين لاستعادة أراضيهم المحتلة، وإقامة دولتهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.