عبدالرحمن الحبيب
الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا هو ممر مخطط يهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا. تتمحور فكرة المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، بما يخفّض التكاليف اللوجستية للنقل، ويعزّز فرص التنمية في المنطقة التي يشملها, المشروع يتكوّن من ممرّين، هما: الممرّ الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، والممرّ الشمالي الذي يربط دول الخليج بأوروبا عبر الأردن وإسرائيل.
ينظر الكثيرون لمشروع الممر هذا على أنه ردٌّ أمريكي على مبادرة الحزام والطريق الصينية أو ما يطلق عليه البعض «طريق الحرير الجديد» التي تربط الصين بجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى وروسيا وأوروبا، والتي أطلقها قبل عقد من الزمان الرئيس الصيني شي، مما يترك الولايات المتحدة خارج قارعة طريق الحرير.
يقول رافي أغاروال، رئيس تحرير مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن المشروع الذي تم إطلاقه لتعزيز روابط النقل والاتصالات بين أوروبا وآسيا من خلال شبكات الشحن والسكك الحديدية، على الرغم من أنه مفيد للمنطقة، إلا أنه كان ينم أيضاً عن توجه السياسة الخارجية الأمريكية، «والتي، إذا أردنا تبسيطها، هي أي شيء من شأنه أن يعزز المصالح الأمريكية ضد الصين».
من جهة أخرى، يرى البعض أن ذلك يعكس التنافس بين بكين ونزاعها الحدودي مع نيودلهي، ومنافستهما على ريادة الاقتصادات الناشئة والمتصاعدة بقوة، فهما الأكثر سكاناً بين دول العالم ويشكلان وحدهما أكثر من ثلث سكان العالم، وتتنافسان في اللحاق بالمراكز المتقدمة في كافة المجالات على المستوى العالمي.
بالمقابل يحذر بعض المحللين من النظر إلى الممر الهندي الأوروبي فقط من خلال زاوية ضيقة والنظر إليها كثنائية: شيء مقابل شيء آخر أو مشروع ضد مشروع، والاعتقاد أن أهداف الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا تتعارض مع مبادرة الحزام والطريق، لأن هذا المنظور الثنائي غير مثمر. يقول البروفيسور في جامعة كوبنهاغن رافيندر كور: «تميل معظم الدول هذه الأيام إلى المشاركة في منتديات وتحالفات متعددة»، إذ تشارك البلدان في التعاون مع شركاء متعددين في وقت واحد، ويعطي تشكيلها دفعة إضافية للاتجاه المستمر لشراكات المعاملات التجارية. فعلى سبيل المثال مجموعة السبع ومجموعة العشرين، ومجموعة بريكس، تجد دولاً في كافة هذه المجموعات، ودولاً في اثنتين منها وأخرى في واحدة منها... إنه ببساطة تنوع والدول تبحث عن مصالحها، وبطبيعة الحال هناك من لا يرضيه تجمعاً اقتصادياً معيناً إذا كان يؤثر سلباً على التجمع المنضوي فيه، لكن هذه طبيعة أصيلة في الاقتصاد والتجارة عموماً..
بينما يرى البعض أنه بالأساس لا مبرر للمقارنة بين مبادرة الحزام والطريق ومشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. فمن ناحية مشروع الممر لا يزال في مقتبل البداية وفي مرحلة رسم خريطة جغرافية محتملة للممر قد تستغرق شهرين، بينما كما يقول الباحث جيريش لوثرا لدى مبادرة الحزام والطريق قصب السبق من عشر سنوات وإجمالي الاستثمارات فيه تتجاوز تريليون دولار في شهر يوليو من هذا العام.. وقد انضمت أكثر من 150 دولة بوصفها شركاء.
أما مؤلف كتاب «الترابط الجغرافي» باراغ خانا فيقول: إن مشروع الممر الهندي الأوروبي يمكن في أفضل الأحوال أن يكون ممراً متوسط الحجم. كما أن مبادرة الحزام والطريق تواجه أزماتها الخاصة على الرغم من أنها قد حققت قدرًا كبيراً من الإنجازات، إذ يقول المراقبون إن الطموحات الكبرى للمشروع تضاءلت، حيث تباطأ الإقراض للمشاريع وسط التباطؤ الاقتصادي في الصين. وتعرب دول مثل إيطاليا عن رغبتها في الانسحاب، وتجد دول مثل سريلانكا وزامبيا نفسها عالقة في فخ الديون، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالقروض.
كما ذكر في المقدمة، ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا يتكون من ممرين منفصلين، الأول يسمى الممر الشرقي والثاني يسمى الممر الغربي: الممر الشرقي يربط ميناء موندرا الهندي على الساحل الغربي بميناء الفجيرة ثم يستخدم خط السكة الحديد عبر السعودية والأردن لنقل البضائع عبر حاويات موحدة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي؛ والممر الغربي سيربط هذا الميناء إلى موانئ مختلفة مثل مرسيليا في فرنسا وموانئ أخرى في إيطاليا واليونان.
كتب نافديب بوري، سفير الهند السابق في الإمارات في مقال صحفي قائلاً: إن طموحات الممر الهندي الأوروبي تتجاوز النطاق الضيق للتجارة والاقتصاد لتشمل كل شيء بدءاً من شبكات الكهرباء وحتى الأمن السيبراني.. ويقول: «إذا أصبحت الطموحات النبيلة التي حددت في نيودلهي حقيقة واقعة، فإنها ستقدم مساهمة فريدة في جعل الكوكب أكثر أماناً وصالحاً للحياة. في الوقت الحالي، دعونا نعيش مع هذا الأمل».