عطية محمد عطية عقيلان
إجادة فقه الائتلاف وثقافة الاختلاف، أصبح من الصعوبة أن تجد من يمارسونها في مختلف وسائل الإعلام، بل الصفة الأكثر هي انتشار شجاعة الجهل، في الطرح والنقاش، وتحولها إلى جدالات ومحاولة كل طرف أن يخطئ الشخص الآخر ويفضح عيوبه وينقض أفكاره أو التقليل من إنجازاته، وهناك مثل روسي يقول: «يمكنك الرقص مع الدب، لكن الدب سيقرر متى تتوقف الموسيقي»، وهي توصيف وتعبير عن ما نشاهده على منصات التواصل الاجتماعي من تراشق وردود وفتح منصات لطرح الأفكار ووجهات النظر، وتتحول إلى معارك كلامية وسب وشتم وتطاول، لا يردعهم سن أو مكانة اجتماعية أو قيم وأخلاق، تبدأ هذه النقاشات، كحال الرقص مع الدب هادئة وسلسة، وتبدأ بالانحدار ومن ثم التكذيب وكيل التهم والتجني، المشكلة ليس هناك من يستطيع أن يوقفها أو يسيطر عليها كصاحبنا الدب، طبعاً سيغرر بك عندما تشهد بعض الأسماء بما يحملونه من شهادات دكتوراه أو خبرة سنوات أو مكانة اجتماعية، وفي لحظات تجد التحول في النقاش بمجرد اختلاف الآراء أو الميول، ويصبح طبلاً أجوف، فارغاً، لم يستفد من علمه وخبرته، لأن المصلحة والتعصب حولته إلى أداة رنانة تردد ما يريده العوام ويجذبهم ويطربهم، دون اعتبار لحق أو فضيلة، وهناك مقولة للفيلسوف الصيني كونفشيوس الذي عاش في القرن 552 قبل الميلاد، وهي «عندما يرتطم رأسك بوعاء أجوف ويحدث رنين، فإنه ليس بالضرورة أن الوعاء هو الفارغ»، لذا من اخترع فكرة المنصات الاجتماعية والتطبيقات، كان له بعد نظر، عندما أوجد خيارات مثل الحظر وعدم المتابعة وعدم الاهتمام، حتى تتمكن من التقليل من مصادفة «الطبول الفارغة» عند تصفحها، وتتمكن من الابتعاد عن أذى إيقاعهم النشاز المعيب، وتمكنك من متابعة وانتقاء من يكون له قيمة مضافة لك، سواء من الناحية الفكرية أو النفسية، خاصة مع وجود من يقوموا بدور ثقافي وفكري، لرفع الوعي وطرح المعلومات الجديدة والمفيدة، ويقدموا رسالة تدعو إلى التفاؤل بوجودهم في هذه المنصات، ومتابعتهم تضفي لنا فوائد جمة على المستوى الفكري والنفسي، وهي عادة لمحاولة مجاراتهم في ترك أثر وإرث إيجابي يشهد لك لا عليك، مع أهمية تجنب مثيري الاحتقان والتعصب ونشر السلبية، وتذكر مقولة برنادشو «العربة الفارغة أكثر جلبة من الممتلئة».
خاتمة: تختصر قصيدة الشاعر العباسي أبي تمام، في القصيدة أدناه، ما يمكن اعتباره منهجاً لنا في كيفية التعامل مع الناس، ومنصات التواصل الاجتماعي، عند تبادل الآراء والنقاشات فيها، حتى لا نقع في فخ الانجراف في سوئهم، تقول أبيات القصيدة:
إذا جَارَيْتَ في خُلُقٍ دَنِيئاً
فأنتَ ومنْ تجارِيه سواءُ
رأيتُ الحرَّ يجتنبُ المخازي
ويَحْمِيهِ عنِ الغَدْرِ الوَفاءُ
وما مِنْ شِدَّةٍ إلاَّ سَيأْتي
لَها مِنْ بعدِ شِدَّتها رَخاءُ
لقد جَرَّبْتُ هذا الدَّهْرَ حتَّى
أفَادَتْني التَّجَارِبُ والعَناءُ
إذا ما رأسُ أهلِ البيتِ ولى
بَدا لهمُ مِنَ الناسِ الجَفاءُ
يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ
ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ
ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ
إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي
ولمْ تستَحْي فافعَلْ ما تَشاءُ
لئيمُ الفعلِ من قومٍ كرامٍ
لهُ مِنْ بينهمْ أبداً عُوَاءُ