د.عبدالرحيم محمود جاموس
ما زالت حكومة إسرئيل (حكومة نتنياهو وبن غافير وسموتريش) كسابقتها (حكومة نفتالي بينيت/ لابيد) وكسابقاتها دائماً تعبر عن عجزها المطلق في أولويات ومنهج التعاطي مع الشعب الفلسطيني ومع مطالبه المحقة والمشروعة، والمؤيدة من جميع دول العالم تقريباً، ومن الأمم المتحدة سواءً على مستوى قرارات مجلس الأمن، أو قرارات وتوصيات الجمعية العامة والتي تؤكد جميعها على عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة، وعلى عدم شرعية الاستيطان، وعلى الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه وغير القابلة للتصرف.
تصوت الجمعية العامة سنوياً في دوراتها المتعاقبة على جملة قرارات هامة لصالح الشعب الفلسطيني بنسبة ساحقة، تؤيد حقوق الشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة، ولم يعارضها سوى مندوب حكومة الاحتلال وبعض مندوبي الدول الهامشية وامتناع البعض ومنهم مندوب الولايات المتحدة.
إن استمرار حكومات الاحتلال في إنكار حقوق الشعب الفلسطيني، غير القابلة للتصرف لن يمنح الاحتلال والاستيطان أي شرعية تذكر أو أي أمن أو سلام قابل للعيش، لتستمر حكومات إسرائيل في إجراءاتها العدوانية والعنصرية والقائمة على استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، وبناء المستوطنات فيها، والتي تمثل جرائم حرب موصوفة، يرفضها ويجرمها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
إن التفكير الصهيوني داخل (صندوق القوة العسكرية والأمن ونشر الاستيطان وتدنيس المقدسات والسعي للسيطرة عليها)، والتوسع والعنصرية والتهجير والضم والإحلال، والإنكار المستمر للحقائق التاريخية، والجغرافية، والسكانية، والقانونية والمشروعية الدولية لن يجدي نفعاً، في انهاء الصراع وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني.
إن هذه المواقف والسياسات تضع القيادة الصهيونية وحكوماتها عاجزة عن الفهم والاستيعاب، وعاجزة عن اجتراح الحلول والسياسات التي من شأنها أن تجد القبول لدى الشعب الفلسطيني أولاً، ولدى العالم وقواه الحية ثانياً، مما يؤدي إلى استمرار حالة التوتر والعنف، وسيل الدماء من الطرفين وعلى الجانبين، دون إدراك أن جميع الحقائق تحتم على حكومات الكيان المحتل (التفكير خارج الصندوق المقفل)، والنظر إلى الواقع والحقائق التي تؤكد فشل سياسات الكيان الصهيوني في إخضاع الفلسطينيين وقيادتهم لرؤيته الفاشية والتوسعية والعنصرية، المرفوضة من جميع دول وشعوب العالم، وإن تباين التعبير عن ذلك من دولة لأخرى من دول العالم، إلا أن هناك إجماعاً دولياً يتبلور ويتأكد يوماً بعد يوم، على ضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، آجلاً أم عاجلاً، ووضع حدٍّ لهذا العنت والتطرف والإرهاب والغطرسة الصهيو أمريكية، وهذا الانغلاق النفسي والأمني المتحكم في العقل السياسي لحكام الكيان والإدارات الأمريكية المتعاقبة، الذي لا ينتج إلا حلولاً عسكرية وأمنية وعنصرية، تزيد الصراع تأججاً واشتعالاً، أمام فقدان الأمل لدى الفلسطينيين بالتوصل إلى حلٍّ أو تسوية عادلة للصراع الدامي منذ سبعة عقود ونصف متواصلة.
لقد منح الفلسطينيون الكيان الصهيوني ومعه الإدارات الأمريكية أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، لدفعهم للتفكير خارج الصندوق، والانفتاح على حلول تفاوضية وسط تلبي الحد الأدنى من متطلبات التسوية بين الطرفين، لكن دون جدوى، فقد ازداد العقل السياسي المتحكم فيهم تطرفاً وانغلاقاً داخل الصندوق العسكري والأمني العنصري التوسعي، لدرجة بات لا يتحدث الكيان سوى مع نفسه، وأوهامه واعتقاداته الزائفة والمزيفة والمريضة، كما عبرت عنها تصريحات وخطابات نتنياهو في الجمعية العامة مؤخراً وقبله نفتالي بينيت وجانتس المسيئة للفلسطينيين والعرب وحتى للأوروبيين والأمريكيين، لدرجة أستطيع القول إنه قد نفد صبر الشعب الفلسطيني وقيادته، كنتيجة منطقية لهذا التطرف والانغلاق الصهيوني، والنأي عن سبل التسوية والسلام، واختيار التوسع والضم والاستيطان، والإنكار المستمر للحقوق الوطنية والقومية الفلسطينية.
لذا من يتوقع أن الإجراءات الأمنية والعنصرية الصهيونية من اعتقالات أو إعدامات وحواجز وحصار في حق الفلسطينيين، أو حتى التسهيلات الاقتصادية والحلول الاسترضائية التي قد تقدم عليها حكومة الاحتلال، كفيلة بإسكات القيادة والشعب الفلسطيني، فإنه واهمٌ ويعد ضرباً من ضروب الخيال الصهيوني المريض.
إن الشعب الفلسطيني لن يعدم الوسيلة عن الإبداع في تطوير أشكال نضاله وصموده، رغم ظروفه الصعبة، سواء على أرض الواقع في رفض الاحتلال وإفرازاته من استيطان وغيره، أو في الساحة السياسية والدبلوماسية والقانونية في المسرح الدولي، الذي بات يضيق ذرعاً بسياسات هذا الاحتلال، وبمواقف حكومة الكيان الصهيوني، من مفهوم الأمن والسلام والاستيطان والتهجير والإحلال، الذي لا زال أسيراً لعقلية الصندوق المغلق، فمتى تخرج هذه العقلية الصهيونية المريضة من الصندوق المغلق، وتنظر للحقائق الموضوعية السياسية والقانونية والتاريخية والديمغرافية على الأرض، وعلى واقع القانون الدولي والسياسة الدولية الآخذ بالتغير وإعادة التشكيل؟
عندها فقط قد تصبح حكومة الكيان مؤهلة من أجل إجراء مفاوضات جادة وغير عبثية، بين الطرفين وبرعاية دولية متوازنة وغير منحازة تحتكم لقرارات الشرعية الدولية ولقواعد القانون الدولي، وليس لقوانين القوة والغطرسة والتطرف والإرهاب، لأجل التوصل إلى اتفاق تسوية عادلة وإقامة سلام يمكن له أن يحقق الحد الأدنى من متطلبات وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، من حق العودة والحرية والمساواة إلى حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ويحقق الأمن والسلام لدول المنطقة وللعالم.
هكذا في هذا اليوم السابع من أكتوبر 2023م يتأكد انغلاق العقل الصهيوني بعد العملية البطولية (طوفان الأقصى) التي نفذتها قوى المقاومة الفلسطينية الباسلة في قطاع غزة وأمام صمود وكفاح ومقاومة الشعب الفلسطيني وفي هذه العملية النوعية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في غلاف غزة وتتدرج وتمتد لتشمل كل فلسطين وقد تمتد إلى جبهات أخرى وتلحق الهزيمة المريرة النفسية والأمنية والعسكرية بالكيان وبالجيش الذي لا يقهر..
وبدلاً من إدراكه وإدراك قياداته وحلفائه إلى أن لا حلول أمنية وعسكرية للقضية الفلسطينية، يذهب في نفس الاتجاه وداخل حدود الصندوق المقفل والمغلق ويوصل نفس الدرب العدواني على الشعب الفلسطيني فيدمر ويقصف المباني السكنية والبنية التحتية في قطاع غزة وبقية أراضي فلسطين ويمعن في قتل المئات من المدنيين.