م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. حياتنا تتأرجح بين ربح وخسارة، وعطاء وأخذ، وفرح وحزن، وتعمير وتدمير، وأخيراً حياة وموت.. وكل منا يتحرك بين هذه المتناقضات بإرادته أو دون إرادته، وبقوة إدارته أو بضعفها، وبجميل قيمه ومبادئه وسليم مفاهيمه أو بقبيح قيمه ومبادئه وخاطئ مفاهيمه.. ولا يَعْدم أحدنا المبرر لفعل ما يريد بسبب قناعاته ومواقفه الناشئة عن تربيته ومعارفه وثقافة محيطه ودوافعه النفسية.. ويستخدم المبرر للفعل مهما كان نوعه إيجابياً أو سلبياً، طلباً للراحة النفسية والتصالح مع النفس، أو لكسب ود الآخرين أو لتجنب غضبهم وأذاهم.
2. الدول في هذا الأمر كالأفراد، تبرر أفعالها بالكثير من المبررات لتفعل ما تشاء بمساندة الرأي العام الداخلي والخارجي أو على الأقل عدم معارضته أو مناهضة ما تقوم به.. وعادة ما تلجأ الدول إلى مداخل استراتيجية تهم الرأي العام الداخلي لتجد المساندة، أو تتجنب الاعتراض أو المساءلة الدولية.. فنجد دولاً تعاقب أخرى أو تحتلها أو تضيق عليها الخناق لتحقق أهدافاً سياسية أو اقتصادية أو ثقافية بدعوى محاربة الإرهاب، أو الحفاظ على حقوق الإنسان، أو الحد من مخاطر أسلحة الدمار الشامل.. على الرغم من أن تلك الدول تخالف كل ما تبرر أفعالها به، لكن وكما يقال القوي يفرض قواعد اللعبة، والضعيف يلعب دور الضحية، وعليه أن يحاول تخفيف الأضرار التي ستلحق به قدر الإمكان مع كثير من الصياح والنياح.
3. في موضوعنا اليوم القضية تتمحور حول التعمير أو التدمير.. فنحن كمواطنين نتفاوت بالمعارف والمهارات والخبرات والفهم والقناعات والقيم والمبادئ والمفاهيم.. وبالتالي نتفاوت في مواقفنا وسلوكياتنا حيال واجباتنا وحقوقنا، ودورنا في مسيرة التعمير التي يكتنفها شيء من التدمير من قبل البعض.. وبطبيعة الحال فإن المواطن الذي يقوم بواجباته ويسهم في التعمير لا تجده يبرر لذلك، بخلاف الذي يأخذ حقوقه وزيادة دون القيام بواجباته، ودون أن يسهم في التعمير، بل يقوم بأعمال تؤدي إلى تدمير أسرته أو صداقاته أو مجتمعه أو المنظمة التي يعمل بها أو قريته أو مدينته، فتجده يقوم بالتبرير الاستباقي من خلال نشر ثقافته وقناعاته وأفكاره السلبية المنافية للمنطق والأخلاق.
4. هؤلاء الأشخاص المدمرون يبررون أفعالهم المدمرة للبيئة التي يتواجدون أو يعملون بها كالغياب عن العمل، والتكاسل عن أدائه، وإثارة المشاكل وضعف الإنتاجية، ولوم الآخرين وتخذيلهم عن العمل والإنتاجية والمنافسة، ومطالبتهم المستمرة بحقوقهم كمواطنين يستحقون العيش الكريم دون أن يبذلوا الجهود المطلوبة في مرحلة التعليم والتأهيل والنمو العقلي والجسدي، ودون أن يبذلوها في مرحلة العطاء والإنتاج والتعلم المستمر ليكونوا طاقة إنتاجية ماهرة متقنة ومنضبطة وملتزمة بالقيم الأخلاقية والمبادئ والمفاهيم السليمة.
5. هذا النوع السلبي من المواطنين يستخدم الوطنية وغيرها كالقبلية أو الأيدلوجية أو الطائفية المذهبية أو المناطقية، كمداخل استراتيجية لتبرير أفعاله وقصوره وفشله وآثاره السلبية المدمرة للحصول على الدعم والمساندة وعدم لومه أو مساءلته على أفعاله.. ولكن هيهات، فحبل الكذب قصير، والناس لديهم من الذكاء ما يكفي ليميزوا الخبيث من الطيب، وكما قال الشاعر زهير بن أبي سلمى: وَمَهما تَكُن عِندَ امرِئٍ مِن خَليقَةٍ.. وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ.
6. في هذه الأيام السعيدة ونحن نعيش أفراح مناسبة اليوم الوطني، ونعيش قوة «الإرادة والإدارة» في قيادة بلادنا رعاها الله، ونعيش إنجازات «رؤية السعودية 2030» ونعيش التقدم الذي تحرزه بلادنا في جميع القطاعات والمجالات والميادين المحلية والدولية، أرى أن الوطنية هي المدخل الاستراتيجي الأمثل لنا جميعاً كمواطنين مخلصين للقيادة والوطن والمجتمع للمشاركة في مسيرة التعمير والبناء والتطوير.. وذلك ببذل الجهود الدؤوبة المخلصة والاستثنائية لتحقيق مصالحنا الشخصية بالتزامن مع تحقيق مصالح بلادنا لا على حسابها.. وفي حال تعارضهم - وهي حالات نادرة - فالمتوقع منا كمواطنين أوفياء التضحية بمصالحنا الخاصة وتغليب مصلحة الوطن، لأن ذلك سينعكس مستقبلاً على مصالحنا وأبنائنا وأحفادنا جميعاً.
7. ختاماً.. أقول إن الوطنية مدخل استراتيجي للتعمير وليس للتدمير.. وكلنا أهل للمشاركة في مسيرة التعمير والتطوير بالاستثمار الأمثل لفرص التعليم والتأهيل التي تقدمها بلادنا بسخاء منقطع النظير.. وذلك لكسب العلم والمعارف والمهارات لنكون مؤهلين تأهيلاً عالياً لأداء مهامنا الوظيفية والاستثمارية والاجتماعية بكل كفاءة واقتدار، لنسهم في تعزيز إنتاجية وتنافسية بلادنا من أجل تنمية شاملة ومتوازنة ومستدامة تتوافق مع أهداف وتوجهات «رؤية السعودية 2030».