رضا إبراهيم
نظراً لأن النشاط الإشعاعي ضار جداً بالإنسان والبيئة، قامت الحكومات الأمريكية والروسية والبريطانية في السنوات الأولى من استخدام الطاقة النووية في الصناعة، بإلقاء النفايات النووية بمياه البحر أو الأنهار، وهي كانت كميات تصل إلى نحو (150) ألف طن من النفايات منخفضة المستوى، ومنذ تلك الفترة تم إنفاق مئات المليارات من الدولارات، كمحاولة لتحديد أفضل الطرق لتقليل الكمية المنتجة من النفايات، ومن ثم تخزينها إلى الأبد.
ومن وقتها باتت إدارة النفايات النووية (المواد المشعة) التي تنتج بشكل روتيني بكميات كبيرة بكل مرحلة من مراحل إنتاج الطاقة النووية مشكلة كبيرة، حيث فرضت نفسها بدءاً من تعدين اليورانيوم وتخصيبه إلى تشغيل المفاعلات، وإعادة معالجة الوقود المستهلك هي مشكلة ما زالت تكلف حكومات الدول والأكاديميين مليارات من الضرائب.
ولا تتوقف تحديات الصناعة النووية، عند إنتاج الطاقة حتى بعد إنتاج الكهرباء وتوزيعها، لتظهر مشكلات إدارة النفايات لاحقاً، فيمكن أن يعيش النشاط الإشعاعي آلاف من السنين، كما تمثل تكلفة إدارة النفايات النووية والتخلص منها (5) في المائة من التكلفة الإجمالية للكهرباء المولدة، ما يسمح لمشغلي المفاعلات بالحصول على أموال كافية بشكل دائم، للتعامل مع إدارة النفايات.
والمعلوم أنه بعد ثمانية عقود من استخدام الطاقة النووية، تم بناء أكثر من (450) مفاعلا نوويا وعشرات المحطات التجريبية، وآلاف من الرؤوس الحربية النووية، ما أدى لتراكم مخزونات كبيرة من مستويات مختلفة من النفايات، وعلى ذلك يقول أليسون ماكفارلين الذي كان يعمل مديراً لمعهد «العلوم الدولية والسياسة التقنية» بجامعة جورج واشنطن ورئيس لجنة الرقابة النووية الأمريكية فيما بين عامي (2012 - 2014م)، أن التكنولوجيا الأخرى التي يمكنها تقليل النفايات المعروفة بالتحويل، تهدف لتقليل السمية الإشعاعية باستخدام الليزر لتغيير تكوين النفايات النووية الخطرة.
وتم التحقيق فيه لعقود ببريطانيا والولايات المتحدة والسويد وأماكن أخرى، وذلك كان بنجاح محدود، وفي ديسمبر عام 2018م ومن قبل الفيزيائي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل جيرار مورو تم تعزيز تلك الفكرة، حيث يقول مورو بمحاضرة ألقاها بحفل القبول (إن أشعة الليزر أكثر إشراقاً بملايين المرات من سطح الشمس بتفجيرات تستمر جزءاً من المليون من المليار من الثانية، يمكنها تحييد النفايات النووية، وتقليل نصف عمرها لسنوات، ونشاطها الإشعاعي إلى القليل جداً).
واعتماداً على كيفية تصنيف الدول للنفايات، فإن نحو (0,2 - 3) في المائة فقط من حيث الحجم، هي نفايات عالية المستوى وذلك وفقاً (للرابطة النووية العالمية)، وهي مجموعة صناعية مقرها لندن تهدف إلى تعزيز الطاقة النووية، وهي مشتقة غالباً من وقود المفاعلات المدنية ومن أخطر المواد المعروفة على الأرض.
حيث تبقى مشعة لعشرات الآلاف من السنين، وتتطلب التبريد والوقاية لأجل غير مسمى، وتحتوي على (95) في المائة من النشاط الإشعاعي، الذي يرتبط بتصنيع الطاقة النووية، و(7) في المائة أو نحو ذلك من حيث الحجم وتعرف بـ (النفايات الوسيطة) وتتكون من أشياء مثل مكونات المفاعل والجرافيت من قلب المفاعل، وتتميز أيضاً بخطورتها الشديدة، ولكن يمكن تخزينها بعبوات خاصة، لأنها لا تولد الكثير من الحرارة، بينما الباقي يتكون من كميات كبيرة، وهي النفايات منخفضة المستوى، وتشمل الخردة المعدنية والورق والبلاستيك ومواد البناء، وكل شيء آخر مشع، يمكن أن يكون قد شارك بتشغيل وتفكيك المنشآت النووية.
والمعلوم أنه على غرار كافة الصناعات والتقنيات المنتجة للطاقة، ينتج عن استخدام الطاقة النووية الكثير من النفايات، ووجدت ثلاثة أنواع من النفايات النووية، جرى تصنيفها حسب نشاطها الإشعاعي (منخفض، ومتوسط، وعالي المستوى)، فالأغلبية العظمى من النفايات (90) في المائة تقريباً من الحجم الإجمالي، تتكون من عناصر قليلة التلوث فقط، أهمها الأدوات وملابس العمل وتحتوي على (1) في المائة فقط من النشاط الإشعاعي.
وعلى العكس من ذلك تماماً تمثل النفايات عالية المستوى، المكونة في الأغلب من الوقود النووي المستخدم ويشار إليه أحياناً بـ (الوقود المستنفد) المصنف على أنه نفايات من التفاعلات النووية، يشكل نحو (3) في المائة فقط من الحجم الإجمالي للنفايات لكنها تحتوي على (95) من الإجمالي، وبالحديث عن النشاط الإشعاعي، فهو ينتج عن توليد الكهرباء من محطة طاقة نووية نموذجية تبلغ (1000) ميجاواط.
ويمكنها تلبية احتياجات أكثر من مليون شخص، وإنتاج ثلاثة أمتار مكعبة فقط من النفايات عالية المستوى سنوياً إذا تم إعادة تدوير الوقود المستخدم، وبالمقارنة فإن محطة طاقة تعمل بالفحم بطاقة (1000) ميجاواط يمكنها إنتاج نحو (300) ألف طن من الرماد، وأكثر من (6) ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
على أن يتم الاحتفاظ بالوقود النووي، المستخدم بمرافق التخزين الرطبة أو الجافة، قبل إعادة تدويره أو التخلص منه، وعند إخراج الوقود المستخدم من المفاعل يكون ساخناً ومشعاً، ويتطلب تخزينه بالماء للسماح للوقود بالتبريد، ويمكن الاحتفاظ بالوقود في التخزين الرطب أو نقله إلى منشأة جافة بعد فترة من التبريد الأولى.
لأن الاحتفاظ بالوقود المستخدم في التخزين المؤقت، للسماح بتقليل كل من الحرارة والنشاط الإشعاعي، قد يجعل إعادة التدوير والتخلص منه أسهل، وعلى الرغم من كل ذلك فهي ليست حلول تخزين دائمة، وتوجد هناك إستراتيجيتان رئيسيتان لإدارة النفايات بكل أنحاء العالم، فقامت بعض الدول بإعادة تدوير الوقود النووي المستخدم لعقود، بينما اختارت دول أخرى التخلص المباشر منها.
وذلك يُعد قرارا استراتيجيا بالأساس ويتم اتخاذه على المستوى الوطني، ومدفوعاً بالأساس بالاعتبارات السياسية والاقتصادية، بجانب الاعتبارات التكنولوجية، ورغم أن بعض الدول وعلى الأخص الولايات المتحدة، تتعامل مع الوقود النووي المستخدم باعتباره نفايات، إلا أن معظم المواد المستخدمة بالوقود المستخدم، يمكن إعادة تدويرها بنحو (94 - 97) في المائة من اليورانيوم، ويمكن استخدامها كوقود في أنواع معينة من المفاعلات.
وطالما ركزت إعادة التدوير حالياً وفي أحياناً كثيرة، على استخراج «البلوتونيوم واليورانيوم»، حيث يمكن إعادة استخدام هذه العناصر بالمفاعلات التقليدية، بعد ذلك يسهل خلط البلوتونيوم واليورانيوم المنفصلين مع اليورانيوم الليَّن وتحويلهما إلى قضبان وقود جديدة، وهناك دول مثل فرنسا، اليابان، ألمانيا، بلجيكا، وروسيا، قامت بإعادة تدوير البلوتونيوم لتوليد الكهرباء، مع تقليل الأثر الإشعاعي لنفاياتها، لكن في نفس الوقت تظل بعض المنتجات الثانوية (4) في المائة من نواتج الانشطار أساساً بحاجة للتخلص منها بمستودعات، يتم تجميدها عبر مزجها بالزجاج.
وعن التخلص المباشر، فهو عبارة عن استراتيجية إدارة، حيث يتم تصنيف الوقود النووي المستخدم كنفايات، ويتم التخلص منه بمستودع تحت الأرض دون إعادة تدوير، ووضع الوقود المستخدم بعبوات توضع بدورها في أنفاق، ثم تغطى بكميات من الطين والصخور، ويتم أيضاً وضع النفايات الناتجة عن إعادة التدوير أو ما يسمى بـ(منتجات الانشطار) داخل المستودعات.
وحول التخلص من النفايات النووية بمرافق قريبة من سطح الأرض، فقد يكون لها حواجز هندسية أو لا يكون، وتقع هذه المرافق على سطح الأرض أو تحتها، ويبلغ سمك الغطاء الواقي لها عدة أمتار، وبعد وضع حاويات النفايات بأقبية مبنية، وبعد ملئها يتم ردمها ثم يتم تغطيتها بغشاء غير منفذ، وقد تشتمل هذه المرافق على شكل من أشكال الصرف كنُظم لتنفيس الغاز، وهناك مرافق للتخلص تكون قريبة من السطح مثل الكهوف.
والتي على عكس التخلص بالقرب من السطح على مستوى الأرض، يتم إجراء الحفريات على مقربة من السطح، ويتطلب التخلص الضحل وجود حفر تحت الأرض في الكهوف، وعلى عمق عشرات من الأمتار تحت سطح الأرض، ويمكن الوصول إليها بالانجراف، ومصطلح التخلص بالسطح القريب يُعرف أيضاً بـ(التخلص الأرضي)، ويمكن أن تتأثر هذه المرافق بالتغيرات المناخية طويلة الأجل مثل التجلد.
لذلك يجب أن يؤخذ هذا التأثير بعين الاعتبار عند النظر إلى السلامة، لأن مثل هذه التغييرات يمكنها تعطيل هذه المرافق، لذلك يتم استخدام هذا النوع من المرافق عادةً في النفايات الخطرة نسبيا، واحتساب عمرها بنحو ثلاثة عقود.
وحول التخلص الجيولوجي العميق، فقد تؤدي الفترات الزمنية الطويلة، التي تظل فيها بعض النفايات مشعة، لفكرة التخلص العميق بمستودعات تحت الأرض، بتكوينات جيولوجية مستقرة للعزل، وبتوفير عدة حواجز هندسية وطبيعية كالصخور والملح والطين، ويُطلق دوماً على هذه العملية مفهوم (الحواجز المتعددة)، فكل عبوات النفايات والمستودع الهندسي والجيولوجيا توفر حواجز لمنع وصول «النويدات المشعة» للإنسان أو البيئة.
إضافة إلى أن المياه الجوفية العميقة تخلو دوما من الأكسجين، الذي يقلل إمكانية التعبئة الكيميائية للنفايات، كما يُعد التخلص الجيولوجي العميق، أفضل خيار لإدارة النفايات النووية بمعظم الدول كالولايات المتحدة، بريطانيا، روسيا، الأرجنتين، أستراليا، بلجيكا، كندا، التشيك، فنلندا، فرنسا، اليابان، هولندا، كوريا، إسبانيا، السويد، وسويسرا.