وفاء سعيد الأحمري
سبق أن كتبت عن قاتل الروح في مقالة سابقة (العدد17468). واليوم أكتب عن الأرواح السامية المنيرة والمستنيرة التي، وهجها ونورها يسبقها وهدوؤها يسمو بها في عالم وعي آخر، وبعد مختلف لا تدركه الأرواح التائهة. وتلك المواقف وذاك المقال قادني إلى فلسفة سمو الروح.
أبدأ بتعريف الأرواح السامية بأنهم أشخاص يقدسون الهدوء ويفهمون أن السكون ضروري مع كل إعصار من إعصارات الحياة، لأنهم يرون أن النتيجة المرضية معتمدة على ردة الفعل وهي السكون عوضاً عن التركيز على السبب وهو في هذه الحالة الإعصار. تركز رؤية الأرواح السامية في تبسيط الحياة وتصورها كلعبة محاكاة ووقت محدد لتعيش تجربة ولتؤدي دور الحب والسلام، وتتعلم كيف ترتقي روحياً. من قيمها أنها لا تعرف الكره، وفي نظرتها حب مختلف للوجود والحياة. ومن نظرياتها أن الحب عكسه الخوف، وليس الكره فكل كاره هو في الأصل خائف.
لذلك هي أرواح في عز معاركها ترى الحب وتقدم الاعتذار بدل اللوم، وتفهم أهمية هذه المعادلة مطبقة نظريتها في التعامل مع الإعصار. هي أرواح تدرك أن البشرية بحاجة إلى صفاء ونقاء. وأن العالم مزدحم بالمادية وتفسير سطحي للأشياء. عالم يرى الحياة في بعدين فقط، لكنها ترى العالم بأبعاد متعددة ثلاثية ورباعية وحتى خماسية. لذلك ترى الصورة الكلية للأمور. سموها يجعلها تحزن إذا رأت التمسك بالماديات، ويؤثر فيها هدر الجهد في المناقشات والاحتمالات غير الخادمة لحياة البشرية. بسبب رؤيتها الشمولية، فهي تلاحظ في عين الغاضب قلقاً، وتستشف من أخطاء الآخرين كمية الظلام الذي يصارعونه وتدرك جهادهم ليصلوا لرقي الروح بقلوبهم المنهكة في فهم معادلات وأدوار الحياة لذلك دائماً لديها أعذار ومبررات لهم. من قيمها الهامة السلام، وتدرك أن الكثير تائهون حتى يجدوا نورهم الداخلي. وتفهم أننا أرواح خلقنا خالق يحب أن ننشر السلام ولا قوانين فيمن ليتصل بنور الرحمن لذلك هي تؤمن بثقافة الاعتذار حتى وإن كانت تستحق أن يعتذر لها؛ لأنها تعمل وفق فلسفة (قابل السيئة بالحسنة تمحها).
بالنسبة لوعيها فهو وعي مختلف لا علاقة له بمنصب أو شهادة علمية أو وجاهة اجتماعية. لأن قوانين ارتقائها ليست بمعايير بشرية، بل معايير روحية ربانية نورانية. يستهويها النور تشفق على كل من حاد عن المسار. فلسفتها ونورها لا يتحمله من كانت روحه تائهة إما أن يستنير بها، أو يبعد عنها؛ لأن النور يطغى على الظلام ولا يمتزجان. وجود هؤلاء الأشخاص يضفي سكينة وهدوءاً في المحيط والمكان.
تتميز بأن إدراكها يرى الكون في احتمالات متعددة والزمن في خط زمن مستقيم والحياة والأحداث متوازية وتدرك جيداً كيف ترتقي وأي الطرق المتوازية تسلك وتدرك متى ترتقي وتنتقل؟ أكثر من كيف؟. لذلك تفهم أن الحياة رقصة والوجود لعبة والزمن وهم والحياة هي سمو الروح والنور. متجردة تلك الأرواح من الأنا مؤمنة أنها خلقت من أجل أن تجد النور، وتؤدي رسالة النور ومهمتها كيف تسمو وترتقي بروحها، وتتصل بنور الله المنير للعوالم كلها.
سمو الروح هو فلسفة الوجود وروح النقاء وهو مرحلة من المراحل فيها سمو وسكينة، ولم ترتقِ صدفة، بل لتجارب عدة خاضتها ومراحل متعددة قطعت فيها أشواطاً وانحاءات حياة غير متوقعة مع ذلك تتقن الهدوء في عز تحرك الأمواج مع التركيز على المسار ورؤية زرقة الحيط بدلاً من هيجانه. يقول آلن كاردك في فلسفة الارتقاء وسمو الروح (تسطير المادة على الروح المستجدة، لكن الإنسان الذي يتحرر من تلك السيطرة عن طريق الاجتهاد للصعود بروحه والعمل على تنقيتها، يقترب من الأرواح الصالحة، ويصبح فيما بعد واحداً منها, أما الإنسان الذي يدع نفسه يسقط تحت سيطرة الأهواء الدنيئة، ويمعن في إشباع شهواته يقترب من الأرواح النجسة، وتسود طبيعته الحيوانية). لهذا سمو الروح هو مرحلة الوصول لها بعد طريق طويل من الارتقاء والسمو والاختبارات والصبر.