أ.د.صالح معيض الغامدي
لدينا في الأدب السعودي (وكذلك ربما في الأدب العربي) ما يمكن تسميته بـ» السيرة الذاتية المرافقة» أو المصاحبة، وهي نوع من السير الذاتية أو ملامح منها يوردها الكاتب في ثنايا كتابته لسير غيرية لآخرين، وتأتي هذه الكتب في أشكال متعددة وبعناوين مختلفة من مثل: (بين هؤلاء عشت) لأحمد المساعد، و(هؤلاء... وأنا) للدكتور فهد الحارثي، و(مع د. غازي القصيبي: قصص وذكريات وأشعار ومراسلات) لسعد السعد، و(مشاهير التقيت بهم) للدكتور محمد العوين... إلخ.
وقد يكون السبب في ظهورها بهذا الشكل هو عدم امتلاك الكتاب الجرأة أو الرغبة في كتابة سيرهم الذاتية مباشرة، لذلك فهم يتخذون هذا الشكل السيرغيري ذريعة أو قناعا لكتابة سيرهم الذاتية أو ملامح منها، ويتكئون على هذه العلائقية السيرية التي تحضر في كل سيرة ذاتية تقريبا، فكاتب السيرة لا يمكن أن يسرد حياته منبتة الصلة عن الآخرين فيها بغض النظر عمن يكونون، وبخاصة في السيرة الذاتية النسائية التي تزداد فيها نسبة حضور هذه العلائقية بالآخرين.
وقد يكون من أسباب حضور سير الكتاب الذاتية المرافقة أو ملامح منها في هذه الكتب حرص مؤلفيها على أن يعطوا أعمالهم السيرغيرية مصداقية وقوة بربط بعض ملامحها بهم شخصيا وكأنهم شهود على حياة من يكتبون عنهم.
وقد يكون للقرابة التي تربط الكتّاب بالشخصيات التي يكتبون سيرهم الغيرية دور أيضا في حضور بعض أبعاد سيرهم الذاتية فيها. ونرى ذلك بوضوح في السير التي يكتبها الأبناء والبنات عن الآباء والأمهات، كما نجد ذلك في السيرة التي كتبها فريد الزامل عن والدته (ثلاث وأربعون: الميلاد والرحيل) والتي يقول في مقدمتها « وأنا إذ أكتب عن أمي، فإنما أكتب عن نفسي». وكما نرى أيضا في (أمي نورة: الأم الصديقة) التي كتبها إبراهيم السماعيل وغيرها من السير الغيرية الأخرى .
وقد يأتي هذا النوع من السير الذاتية المرافقة أحيانا على شكل سيرة غيرية يكتبها شخص أو جهة ما عن شخص آخر، ويشارك هذا الشخص المكتوب عنه في تأليفها بطريقة أو بأخرى، كما هو الحال في كتاب «السفينة والربان» الذي أعده مركز العالم للتوثيق بإشراف د. محمد الطريقي، عن سيرة عبدالرحمن المشيقح. فهذا الكتاب كتاب سيري شائق وممتع ومفيد، يقع بين السيرة الغيرية والسيرة الذاتية، كُتب عن المشيقح ولكن المشيقح شارك في توفير مادته ومراجعته.
وهناك غالبا طريقتان لتقديم السيرة الذاتية المرافقة أو ملامح منها من خلال السيرة الغيرية: أولاهما أن يكتب الكاتبُ سيرة غيرية لشخص واحد تربطه به علاقات قرابة أو زمالة؛ وثانيهما أن يكتب الكاتب سير مجموعة من الأشخاص الذين عرفهم ويجمعها في في كتاب واحد، يعنونه بعناوين من مثل «هؤلاء عرفت»، أو «هؤلا وأنا»!!
وربما يدخل في السيرة المرافقة ما يسمى بـ «السِّير العائلية» التي التي يُجمع فيها بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية، ولكنها قليلا ما تحافظ على المساواة بينهما، إذ كثيرا ما نجدها تغلّب أحدهما على الآخر، فتنزاح أسلوبيا ومضمونيا تارة إلى السيرة الذاتية وتارة إلى السيرة الغيرية.
وأخيرا أود التأكيد على أهمية هذه «السير الذاتية المرافقة» في أدبنا السعودي وعلى ضرورة الاهتمام بها ودراستها لأنها تشكل إضافة مميزة للسيرة الذاتية في بلادنا.