علي الزهراني (السعلي)
رذاذا في الفضاء امتلأ تجلّى كسحابة محشورة في ضباب ، صحا من نومه متثاقلا رفع ذراعيا متثائبلا قائلا : يالله صباح خير !
اشتمّ ريحة مقززة ، سقط وهو يذهب إلى دورة المياة شجّ رأسه تساقطت قطرات على سجادة سوداء لم يهتم تحامل على نفسه وهو يقول ضاحكا : الله ما أحسن ذا اليوم !
جلس وهو مشعل لفافة وبينه وبين نفسه يقول : وربي ذي الريحة أفضل من المكان الذي استيقظت منه دون أن ينتبه حرّك المقبض نكز فابتسم وقام ينضح وجهه بالماء وقبل أن يغادر مرآته عاد أبصر ندبة في جبينه وهو يقول : يا سلام شكلي مثل الجرادة التي بين الأغصان مفنجلة العينين بعد أن أفرغت ذبابة أوساخها أو كنخلة تفننت في سطر جبيني، فتح الباب لم يزل المكان محمّلا بالروائح ، سحب النافذتين ذهب مهرولا إلى مكان ضيق أشعل الموقد صبّ الماء وتركه جلس على كرسيه ويده اليمنى على خده وهو بيده الأخرى بجفف الندبة وضع لاصقا طبيا من درج مكسور أعاده بعد عناد مسمار قاومه فجرح أصبعه التقط ورقة من جريدة ممزقة وفيه هذا الخبر بالبنط العريض :في إحدى روائعه :
موظف تحول لحشرة ومات داخل مكنسةأعادها فسقطت جثة فوق الموقد خرج منها دخان فقال : هذا الكلام وهذه الريحة الطيبة ! نثر القهوة داخل البراد وحبّات الهيل تضج بالمكان وهو يراوح بمنشفته يمنة ويسره يريد قتل ذبابة تحوم حول البراد عملية معقدة حرب طاحنة جرت بينهما أشبه بحرب البسوس أخيرا تحت « زنبوة « قدمه - أعزكم الله - خلّف ورائه سقوط الصحون وبعض فناجين وقطع من الزجاج مهشّم ..التقط مشطا من جيبه يسرّح شاربه الكثيف لم ينقطع سوى برنًة هاتفه « ألو هاه يا بقعاء ويش تبغين ؟ طيب طيب خلاص الظهر نتفاهم .. المحكمة !! الله يعين يابنت الحلال … اذكري الله .. اسمعي أنا ما حد يهددني انقلعي يا جرادة « ابتسم مستذكرا جملة من طليقته حين قالت :
نقلع أنت يا ذبابة حياتي يا بو كرش !سمع صوتا آخر أفزعه تخبّى خلف الباب ومعه مجلد الجاحظ ، انفتح جزء من الباب وهو متأهب رجعت دفة الباب كما كانت والعرق يتصبب من جبينه من فوق جرحه وذبابة أخرى تهبط ما بين شاربه وجبينه طنين مزعج حرّك رأسه بقوة وبهمس يريد سبر ذاك الدخيل المجهول ، هوى بالكتاب سقط في الفضاء وإذ بقطة تموء صراخا ، قهقه كثيرا وجلس على الكنب ذي جلد مخملي ، وضع صحن التمر نظّف الطاولة صب القهوة في دلة ووضعها بجانب الأوراق والأخرى للضيوف أغلق النافذتين ضغط زر التكييف وجلس يمشط شاربه !
دخل الأستاذ موسى مسلّما رد عليه على مضض وتوالى الجميع بالحضور أخيرا حضر المدير قائلا : كيف حالك ياعم كافكا قال موسى : الله أكبر يا كافكا يا بو كرش تعاركا باللسان فك بينهما الأستاذ محراث بن رزق في الطابور وصاحبنا يمشط شاربه وإذا يسمع اسمه يجلجل بالمكان يقدم المدير له شهادة شكر وتقدير لمشاركته في فعاليات المدرسة وهو يُكرّم هناك اثنان يقفان جانبا خلف الطلاب يتهامسون تعرف العم كافكا هذا قال الآخر الذي تكرم الآن قال نعم قال هذا مثقف وأديب كبير لكن الزمن جعلته في هذا المكان قال الآخر طيب ما هي قصته ؟ قال : هذه قصة طويلة على الفطور أخبرك !
صفق الطلاب والآساتذة وبعض أولياء الأمور أصر موسى بعد أن هنأه أن يتحدث التقط اللاقط وقال بعد أن شكر الجميع :الحرف يبقى معلما ، والسطر توأمة الكلام والشكر حديث الجمال والكتابة متنفس الروح والقراءة هي كل السعادة فاحرصوا على أن تنتصر للحرف قبل بدأ الكلام والسلام !كفكف دمعه ومضى وقبل أن يدهب سقطت ورقة مركومة أخذها المدير فتحها ويقرأ :أوصيكم بثلاث الأولى اسمع قبل أن تتحدث والثانية اقرأ قبل أن تكتب والثالثة قبل أن ترحل أترك أثراضرب جرس الحصة الجميع في الفصول بحثوا عنه وجدوه متأبطا رواية المسخ والدماء تسيل في الخلاءسطر وفاصلةأنا أكثر شيء أكره هي أنا أعوذ بالله منهاانظروا ذكرتها في البداية ( أنا ) رغم كرهي الشديد لها !أناتجلب الغرور والكِبْر أعوذ بالله منهاأناتجعلك بعيدا عن الناس والإحساسأنافوق كل خيال والواقع أدنى في أي مجالأنا تبعدك عن الله سبحانه وتكون في صف حزب المغضوب عليهم.