خالد بن حمد المالك
تواصل إسرائيل ممارسة القتل الممنهج في غزَّة إثر الصدمة التي لم تفق منها بعد، والإذلال الذي مسَّها، وما تسميه كبرياءها الذي أسقطه الفلسطينيون في ساعات محدودة، وليس هذا هوالمهم، ولا هذا هو بيت القصيد، إذ إن هذا الارتباك في صفوف الإسرائيليين، وهذا الاستسلام المذل، وأعداد القتلى والجرحى والأسرى بين صفوف جيشه الذي لا يقهر(!!) تولَّد عنه هذا المشهد الحزين في كل من إسرائيل وأمريكا والدول الأوروبية وهذا هو المهم الذي ينبغي تفسيره.
* *
إسرائيل حتى هذا اليوم، لا تستطيع أن تتعرف على عدد قتلاها، ولا المصابين بينهم، ولا من هو في حكم المفقود، ولا من هو أسيرٌ في قبضة حماس، فالأعداد ترتفع كل يوم، والمعلومات تتجدد يوماً بعد آخر، وكما يُقال فإن الخافي ربما يكون أعظم بل وأكبر وأهم، وهذه الجولة من الصراع الدامي الذي أطلقت عليه إسرائيل حرباً رسميةً، هو كذلك، ولكنه صراع كما قال عنه أوردوغان رئيس تركيا هو بين (تنظيم وتنظيم)، لأن إسرائيل تخلت في عدوانها على غزَّة من صفة الدولة إلى التنظيم، غير أن ما لفت نظري أن حماس والتنظيمات الفلسطينية الأخرى لا زالت تواصل ضرب أهدافها في إسرائيل، رغم ضراوة الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزَّة دون تمييز بين المدنيين وغيرهم، كما هو مشاهد في شاشات التلفزة من صور وفيديوهات من غزة لا يحسن بالمتابع تكذيبها، وأغلبها من مصادر إسرائيلية.
* *
لفت نظري أيضاً من خلال متابعتي للتطورات في هذه الحرب، ليس ارتفاع عدد القتلى في صفوف الجانبين، ولا حتى تداعياتها الأخرى، وخاصة في الجانب الإسرائيلي الذي تواصل طائراته الحربية إطلاق صواريخها وقنابلها على المباني السكنية بمن فيها بلا رحمة أو هوادة، ورفض كل من يطالبها بعدم التصعيد، وإنما لفت نظري ما صرّح به الرئيس الأمريكي جو بايدن من أنه لم يكن يتصوّر أنه سيرى صوراً للإرهابيين -يقصد حماس- يقطعون رؤوس الأطفال الإسرائيليين، حتى إذا ما تبيَّن له فيما بعد أنها معلومة كاذبة ومغلوطة مصدرها تصريحات من مسؤول إسرائيلي سارع إلى تصحيح معلوماته وإلى التراجع عن أقواله، وكأنه لا يعرف أن دولة إسرائيل قائمة أساساً على الكذب والخداع والبهتان، وعلى الدعم الأمريكي المفتوح تحديداً.
* *
أمورٌ كثيرة تظهر انحياز الغرب وأمريكا لإسرائيل، يقابلها الخلل المتعمد الفاضح في الموقف من الفلسطينيين، فها هي ألمانيا تسمح لإسرئيل باستخدام اثنين من مسيراتها في هجومها على سكان غزة، إمعاناً كباقي الدول الغربية في التآمر على حقوق الفلسطينيين، ورفض أي تسوية تمنحهم حقوقهم المشروعة، وإذا أردنا استعراض المزيد من السلوك الظالم لأمريكا التي ظلت لسنوات تحتكر لنفسها فقط دون تدخل أي دولة أخرى في إيجاد حلٍّ مزعوم للقضية الفلسطينية، فإن واشنطن وامتداداً لما سبق لها من مواقف تحرك الآن جسراً جوياً لإمداد إسرائيل بأحدث الأسلحة الفتاكة لضرب المواطنين العزل في غزة، وأنها مع وصول الدفعة الأولى تعد بأنها سوف تواصل هذا الدعم، كما أن القبضة الحديدية الإسرائيلية سيكون لها نصيبها من الدعم والإصلاح لتكون قادرة على مواجهة عناصر حماس.
* *
ومع إعلان الرئيس الأمريكي بأنه قام بزيادة المساعدات العسكرية الإضافية للقوات الإسرائيلية، وأنه اتصل أربع مرات برئيس وزراء إسرائيل، وقد وصفها نتنياهو بأنه استمع فيها إلى خطاب مؤثر من بايدن، مشدداً الرئيس الأمريكي على مواجهة الإرهاب - المقصود هنا حماس- وباقي التنظيمات الفلسطينية، ومؤكداً على أن إسرائيل تدافع عن نفسها، وتعمل وفق قواعد وقوانين الحروب رغم مشاعر الغضب والإحباط، متجاهلاً المجازر التي ترتكبها تل أبيب وبكل هذه القسوة في حق مواطني قطاع غزة من المدنيين، خاصة مع تشكيل حكومة حرب إسرائيلية، بصلاحيات أوسع لتمضي في عدوانها بحماية حاملة الطائرات الأمريكية التي تحركت لتكون بالقرب من حدود إسرائيل لتمكينها من السرعة في التدخل إذا ما تطلب الأمر تدخلها، فيما يقول وزير دفاع إسرائيل إنه سيمحو حماس من أرض غزة، وأن كل من ينتمي لحماس سيقتل، بل إن غزة بعد هذه الحرب لن تكون غزة كما كانت عليه قبل ذلك.
* *
الموقف الصيني كان موقفاً مسؤولاً، ومنصفاً ومتوازناً، وضد انتهاك إسرائيل للقانون الدولي في هذه الحرب، فقد طالبت بكين بوقف إطلاق النار، وفتح الممرات لإيصال المساعدات الإنسانية، فيما ترى أمريكا أن الوضع معقد لفتح الممرات للمساعدات الإنسانية، أما الموقف الروسي فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك إنصافاً لحقوق الفلسطينيين، حيث ركز على أن فلسطين هي الأرض التي يعيش فيها الفلسطينيون، وأنها هي أرضهم تاريخياً، وكان المفروض إنشاء دولة لهم، وأن الدعوة الموجهة للفلسطينيين للمغادرة إلى سيناء لا يمكن أن تؤدي إلى السلام.
* *
طوفان الأقصى حرك المياه الراكدة، وخلط الأوراق، وأظهر أن الجيش الإسرائيلي بدون دعم أمريكا ودول أوروبا جيش من ورق، وأن السلام لإسرائيل مقرون بالسلام للفلسطينيين، وأن دولة لإسرائيل يجب أن يقابلها دولة للفلسطينيين، ومن يفكر بغير هذا الحل مستعيناً ومعتمداً على قوته العسكرية فهو واهم.