محمد سليمان العنقري
تبذل المملكة العربية السعودية اليوم جهودًا حثيثة من أجل زيادة تنافسية الاقتصاد الوطني في القطاعات الاستراتيجية الواعدة، ومن بينها قطاع الخدمات المالية، فرؤية السعودية 2030 تهدف من خلال البرنامج التنفيذي «تطوير القطاع المالي»، إلى تمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع الخاص، وتطوير سوق مالي متقدم، بالإضافة إلى تعزيز وتمكين التخطيط المالي، وتطوير القوى الوطنية العاملة فيه. ومما لا شك فيه أنَّ نشاط الخدمات المالية يُشكِّل أحد الأنشطة ذات الأولوية لدوره في تمكين باقي القطاعات وتشغيل القوى العاملة وتوفير فرص وظيفية ذات مهارات عالية، وهو ما يتطلب العمل على تطوير الخبرات المحلية، بغرض الحفاظ على نسبة توطين عالية من القوى العاملة السعودية، تماشيًا مع النمو الذي يشهده القطاع.
وتحقيقًا للرؤية الوطنية الطموحة، فإنَّ تطوير وتنمية نشاط الخدمات المالية المحلية، يُسهم في تنمية هذا المجال، إلى جانب مساهمته في تطوير سوق التأمين المحلي، مع التركيز على التأمين الصحي بشكل خاص، وهو ما يعمل عليه البنك المركزي السعودي (ساما) كجهة رئيسة لتمكين الجهات المسؤولة لتوطين قطاع الخدمات المالية على وجه العموم. وفي هذا الإطار، أطلقت الرؤية في عام 2017 برنامج «تطوير القطاع المالي»، من أجل تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني، وإفساح المجال لدعم ونمو القطاع الخاص، ووضع الخطط والسياسات المالية، وإيجاد سوق مالية متطورة وداعمة بحجم ومكانة الاقتصاد السعودي.
وما نلمسه في السنوات الأخيرة، هو مستوى التطور المتصاعد الذي يشهده القطاع المالي في المملكة، ونشاط الخدمات المالية والتمويلية والمصرفية والتأمينية، وذلك عبر عدد من المُنجزات اللافتة، من بينها انضمام السوق المالية السعودية «تداول» إلى المؤشرات العالمية (FTSE) و(MSCI)، ونمو سوق الأسهم السعودي ليكون من أكبر 10 أسواق في العالم. كما شكَّلت الفرص الاستثمارية عنصر جذب كبيراً في هذا القطاع، حيث رخّص «ساما» العشرات من شركات التقنية المالية، بهدف الوصول إلى 250 شركة بحلول 2025، و525 شركة بحلول 2030، كما أطلق سوق المشتقات المالية من قبل «تداول» في أغسطس 2020، والتي تشهد تداول العقود المستقبلية للمؤشرات كأول منتج مشتقات مالية يتم تداوله في السوق المحلية (أكبر أسواق منطقة الشرق الأوسط)، وهي خطوة تستكمل تحركات الدولة نحو تنويع الأدوات المالية وتحسين مكانة السوق لجذب المستثمرين الأجانب.
وللإنصاف، فإن البنك المركزي السعودي نجح في دعم النمو الاقتصادي والمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، كما عمل -ولا يزال- بجهد ودأبٍ وكفاءة عالية على حماية وتطوير النظام المالي، بما يسهم في دعم العملية التنموية الاقتصادية المستدامة والشاملة، والمحافظة على استقرار أسعار الصرف، وتعظيم الاستفادة من إمكانات القطاع المالي، وتسخير التقنية المالية لهذا الغرض، كما ساهم في المقابل على تطوير البنى التحتية لتمكين منظومة التقنية المالية في المملكة، عبر إطلاق مبادرة «فنتك السعودية» بالشراكة مع هيئة السوق المالية في إبريل 2018، كخطوة تحفيزية لتطوير مجال التقنية المالية في المملكة وتعزيز دوره في التنمية الاجتماعية الاقتصادية الوطنية، فضلًا عن تحويل مملكتنا الغالية إلى وجهة للابتكار في مجال التقنية المالية وإيجاد منظومة مزدهرة ومسؤولة، عبر منظومة تشمل البنوك والمستثمرين والشركات والجامعات ومؤسسات الدولة، بما يُسهم في دعم الشمول المالي وزيادة التعاملات المالية الرقمية، التي تصبُّ، بالنهاية، في صالح اقتصاد الوطن، والتيسير على المواطن.