سهوب بغدادي
«كااات».. كلمة مرتبطة بتصوير الأفلام، وتقال على الأغلب عندما يرغب المخرج في إعادة المشهد، إنه عمل مضني ومحفوف بالتوتر والتأهب، فعملية إعادة المشهد قد تكون محبطة في كثير من الأحيان، ولكن هل لك أن تتخيل عزيزي القارئ أن تؤدي عملك مع علمك المسبق أنك لن تحصل على فرصة أخرى؟ لديك فرصة واحدة ولا يوجد مجال للخطأ! نعم، إنه أبوالفنون «المسرح» إن المسرح وما يشمله من فنون أدائية تتطلب كما هائلا من تكريس الذات والوقت والجهد ليخرج العمل كلوحة فنية متناغمة، ومتكاملة بما يتداخل معها وفيها من فنون أخرى كالإضاءة والمكياج والأزياء والديكور وهندسة الصوت وما إلى ذلك، ومع الحراك الفني والثقافي الذي تشهده المملكة في وقتنا، متمثلًا في وزارة الثقافة وما تعكسه من خلال الهيئات المختصة في مختلف النطاقات، لفتني برنامج تدريبي يدعى «حركة ونغم» مكون من 60 ساعة يستهدف مختلف الأعمار الصغار والكبار و يقدم بالتعاون مع معهد كركلا، إذ ارتبط اسم كركلا لدي بالفلكلور والرحابنة والتراث، وهي فرقة لبنانية مختصة بالرقص المسرحي، أسسها الموسيقار اللبناني عبد الحليم كركلا في عام 1968 وعلى مدار هذه الأعوام نقل هذا الفن الرفيع إلى المسارح المحلية والإقليمية، وصولًا إلى أرقى المسارح العالمية، لقد سعدت كثيرًا عندما وقع علي الاختيار بأن التحق بالبرنامج الذي يحوي فنونًا مختلفة كالدبكة المطعمة بأسلوب كركلا (كركلا ستايل) والرقص المعاصر، والخطوة الجنوبية، والسامري، فكل فن يتطلب حركات محددة ومميزة، بالطبع واجهت تحديًا في تطبيقها باعتبار أن العمل جماعي ويستلزم اتقان التوقيت مع المجموعة قبل كل شيء، والالتزام بالحضور باعتبار أن الحركات تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، في خضم البرنامج، حضرتني فكرة وهي انغماسنا الدائم في مشاغل الحياة التي قد تنسينا الإحساس بأنفسنا، فلم نعد أطفالًا نرسم ونلون ونرقص ونغني ولكنني لا زلت أؤمن بأن الشخص يجب أن يخرج عن المألوف ومنطقة الراحة ولو لمرة واحدة في الحياة وفي حالتي مرة كل عام من خلال البرامج المماثلة، والأجمل ألا يخبأ وهج شغفنا ويمتد من الطفولة حتى المشيب، في هذا الموطن، أخبرتني فاطمة خير الدين أم المتدربة تاليا عزام 12 عامًا، بأنها شجعت ابنتها على الانضمام لكركلا، بعد حضورها عرضا للفرقة في بعلبك بلبنان قديمًا فأعجبها ما رأت كثيرًا من تقديم التراث والثقافة من خلال الحركة والأزياء، كذلك، أثار إعابي اهتمام وحرص والدة ووالد الشاب عمر بن خالد البالغ 14 عامًا، فلا أذكر يومًا حضر عمر دون تواجدهما -حماهم الله جميعًا-، وفيما يتعلق بانشغالات الحياة، فها هي سارة عثمان طبيبة ولم يمنعها مجالها الحافل بالتحديات من ملاحقة شغفها والحضور والالتزام بالبرنامج، بالنسبة لها العمل لا يتعارض مع الشغف متى ما وجدت الإرادة، أيضًا المهندس مصطفى الحافي الذي يعمل كمنتج و يهوى الفنون الأدائية، واعتبر البرنامج بأنه يتعدى الفن الأدائي، بل هو احتياج نوعي وفرصة لعكس ثقافتنا وهويتنا من خلاله للعالم، إن المدربين وعددهم ستة، كانوا على قدر مبهر من الاحترافية في جميع أنواع الرقص، وساعدوا المتدربين في كل متطلباتهم التدريبية ونما حس الألفة والعائلة بيننا، ومع حلول اليوم الأخير «العرض الختامي» كان بمثابة قطاف ثمار مدة طويلة من التدريب والتحضيرات البدنية والذهنية لمسنا الفارق في قدراتنا من خلال توجيهاتهم المتقنة، وعند انتهاء العرض الذي قدمه جميع المتدربين صغارًا وكبارًا في عمل جماعي بديع، امتزجت الضحكات بالدموع، فلقد كسب كل شخص منا خبرة جديدة سواء من المدربين أو المتدربين، وتعلم شيء جديد عن نفسه، وبالتأكيد كسبنا أصدقاء مستقبليين بإذن الله مثل صديقتي الفريدة «فريدة»، مرارًا، أُكبر دور هيئة المسرح والفنون الأدائية ومنسوبيها وجميع من سعى في إنجاح هذا العمل البهي بلا استثناء ونتطلع للأجمل. شكرًا.