عادل علي جودة
لقد بات القلق يؤرقني على أربع عشرة رهينة أمريكية في يد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولست أدري هل سيُفَكُّ أسرهم فيصبحون طلقاء لهم كرامتهم ودورهم في الحياة، أم سيبقون في الأسر، وأصدقك القول إنني لا أريد لهم الضياع في غياهب الأسر، فهناك ما يزيد عن مليونَي فلسطيني يعانون الأسر والحصار المطبق في غزة بأسرها لما يزيد عن سبع عشرة سنة، وهناك ما يزيد عن خمسة آلاف أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال منذ عشرات السنين، بل هناك فلسطين الأسيرة تحت نير الاحتلال بعد أن اغتُصبت الأرض، وسُرقت الأملاك، وانتُهكت الحرمات، وتَشتَّتَ مَن تبقى على قيد الحياة من أهلنا في أصقاع الدنيا منذ عام 1948م حتى اليوم.
لقد بات القلق يؤرقني وما زلت أتابع ما يقوم به جيش الاحتلال من قصف وحشي على نساء فلسطين وأطفالها وشيوخها، وعلى أحجارها وأشجارها وطرقاتها بقصد الإبادة عن سابق إصرار.
لقد بات القلق يؤرقني وما زلت أتابع الهجمة على بقعة أرض تعد الأكثر اكتظاظًا بالسكان على مستوى العالم بحجة القضاء على فصائل المقاومة التي لا يزيد عدد أفرادها عن بضعة آلاف، وفي مقدمتها «كتائب القسام» الذراع المسلح لحركة «حماس»، وذنبهم الوحيد أنهم يقاتلون ويضحون بأرواحهم وأهليهم من أجل استرداد الأرض وانتزاع الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
لقد بات القلق يؤرقني إذ أسمعك تردد على مسمع أهل الأرض أنك شاهدت صورًا تُظهرُ رجال المقاومة وهم يجمعون الأطفال ويقطعون رؤوسهم ويحرقونهم، ثم بعد يومين فقط يعلن بيتك الأبيض أن شيئًا من ذلك أبدًا لم يحدث، إنما هو محض كذب وافتراء على لسان نتنياهو.
لقد بات القلق يؤرقني وأنا أنصت إلى كلماتك يا سيادة الرئيس وأنت تؤكد على حق هذا الكيان في الدفاع عن نفسه، وتقف إلى جانبه بتقديم العون بما يحتاج من مختلف أنواع الأسلحة، لتقوم بتنفيذ مجازر حقيقية أقل ما يقال فيها إنها جرائم حرب، كيف لا وهو يستخدم القنابل الفسفورية؟، وكيف لا وآلة الحرب تحجب أسباب الحياة عن شعب أعزل؛ فلا غذاء، ولا ماء، ولا دواء، ولا كهرباء؟، وكيف لا والقصف يطال سيارات الإسعاف والمسعفين؟، وكيف لا والقتل يطال الصحافيين والمصورين؟ وكيف لا ووزير حرب الاحتلال يصف الشعب الفلسطيني بالحيوانات البشرية، كل هذا وأنت تردد حرصكم على احترام قوانين الحرب الدولية وقوانين حقوق الإنسان. فهل ما تراه يا سيادة الرئيس فيه أدنى قدر من الاحترام لتلك القوانين؟
لقد بات القلق يؤرقني وأنا أرى حاملة الطائرات «جيرالد فورد» بما عليها من طائرات وقنابل والزوارق الحربية بكامل تجهيزاتها الحربية، يستقر بها المقام في شرق المتوسط لحماية «إسرائيل»، وأدرك تمامًا أنكم تعلمون علم اليقين أنهم المغتصبون لأرضنا الفلسطينية، وتعلمون علم اليقين أننا نقاتل ونحارب ليس اعتداءً على الإطلاق، إنما من أجل تحرير أرضنا، وعودة لاجئينا، وإقامة دولتنا المستقلة كاملة السيادة، ونيل حريتنا على تراب أرضنا.
لقد بات القلق يؤرقني وأنا أراك، وأنت رئيس الدولة العظمى، تنسى أو تتناسى وعد بلفور المشؤوم، وتنسى أو تتناسى أحداث النكبة عام 1948م الذي جلب لهذا الشعب الذي أنتمي إليه حياة البؤس والشقاء والتشرّد والحرمان، ومنذ ذلك التاريخ ونحن نعاني القتل والتدمير، والاغتيالات، وتلويث المياه، والحصار، والممارسات الممقوتة من اقتحامات لا تتوقف، وتدنيس لأقصانا المبارك، واعتداء على نسائنا وأطفالنا.
لقد بات القلق يؤرقني أمام تساؤلات أوجهها إليك شخصيًّا حيال مشاهد التدمير في البنيان، وممارسات التجويع والحرمان، وحالات الذبح للأطفال والنساء، التي تراها بأم العين، أتراها تأتي في إطار الاحترام لقوانين الحرب والحقوق الإنسانية؟
لقد بات القلق يؤرقني إذ ما زلت أراك يا سيادة الرئيس تجهل أو تتجاهل أن هذا الشعب لن يستسلم، وقد رأيتم أن هذا الشعب تجرع الصمت لثلاثين سنة انتظارًا لما ستنتج عنه مفاوضات سلام مع كيان لا يفهم لغة السلام، ورغم ما قدمته المفاوضات من تنازلات لا يتصورها إنسان، إلا أن الغاصب أساء الفهم وأخطأ الظن، فرأى ذلك ضعفًا وهوانًا وراح يتمادى في اغتصاب المزيد من الأرض لبناء مغتصباته.
أما آن لك يا سيادة الرئيس ولسادة البيت الأبيض، وعلى امتداد خمس وسبعين سنة من الاحتلال الإسرائيلي، أما آن الأوان لتقتنعوا أن الشعب الفلسطيني ليس له إلا فلسطين؟، فإن كان الأمر كذلك فاعلم أن كل فلسطيني له قصته المتجذرة في فلسطين، فأنا يا سيادة الرئيس أنتمي إلى عائلة فلسطينية تم تهجيرها وتشريدها مع مئات الآلاف من العائلات من أرض الآباء والأجداد الذين قُتل أغلبهم، والباقي شُرّد وأُبعد عن أمواله وممتلكاته، فمدينة «أُسدود» هي أرضي وأرض أبي وأجدادي، ومدينة «يافا» هي أرض أمي وأبيها وأجدادها، ومدينة «بيت دراس» هي أرض أم أولادي وأبيها وأجدادها، وهكذا حال كل فلسطيني وفلسطينية مع كل مدينة وقرية وحارة في كل فلسطين، فهذا الشعب يا سيادة الرئيس لن يقبل بغير فلسطين بديلًا، فنحن أصحاب حق مسلوب بمؤامرة أعطت ما لا تملك لمن لا يستحق.
وفي الختام أطمئنك يا سيادة الرئيس أن الله سبحانه وتعالى هو القاهر فوق عباده، وهو الغالب على أمر نفسه إذا أراد شيئًا قال له كن؛ فيكون، وهو وحده المستعان. ودائمًا وأبدًا الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
** **
كاتب فلسطيني - الرياض