منصور ماجد الذيابي
في الوقت الذي تتواصل فيه قيادة المملكة العربية السعودية مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية لوقف التصعيد في غزة, وكعادة المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز, طيّب الله ثراه, في مدّ يد العون للشعب الفلسطيني الشقيق, وبينما يشدّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان, حفظه الله, على رفض المملكة العربية السعودية استهداف المدنيين بأي شكل أو تعطيل البنى التحتية والمصالح الحيوية التي تمسّ حياتهم اليومية, وفي ظل استمرار غياب الضمير الدولي تجاه الحرب على غزة, تواصل الطائرات الغسرائيلية قصف قطاع غزة الذي تحوّل وفقا لمصادر إعلامية إلى مدينة أشباح نتيجة لتشديد الحصار وانهيار المباني على نطاق واسع, وقطع التيار الكهربائي ونقص الأدوية والغذاء, وبالتالي نزوح الآلاف تحت وابل من القصف الجوي ما يجعلنا نتساءل عن سبب غياب الضمير العالمي عن كل ما يحدث من عدوان على قطاع غزة المحاصر الذي تعرّض وفقا لمصادر الجيش الإسرائيلي إلى أكثر من 40 طنا من المتفجرات.
وفي ظل صمت المجتمع الدولي, وفيما تطالب منظمة الصحة العالمية بفتح ممرّات آمنة لأجل إيصال الخدمات الإنسانية والمساعدات الضرورية لسكان القطاع, يعلن الجيش الإسرائيلي عن استعداده لقصف أي شاحنات قادمة من مصر باتجاه معبر رفح في إشارة إلى منع المساعدات الإنسانية عن المدنيين في قطاع غزة لتشديد الحصار وخنق القطاع حتى الموت، بينما يشاهد كل العالم انتهاكات الجيش الإسرائيلي لكل قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي, ويقف مكتوف الأيدي حتى هذه اللحظة دون أن يصدر عن مجلس الأمن الدولي أي قرار إدانة لخرق إسرائيل قواعد وآداب الحرب بعد أن فرضت عقوبات جماعية على المدنيين الأبرياء وقصفت منازلهم ومساجدهم, بل قصفت أيضا قوافل النازحين ومنعت دخول المساعدات الغذائية لكبار السن والأطفال, وحجبت عنهم حتى أشعة الشمس في وضح النهار غثر تصاعد وتراكم تشكيلات من السحب السوداء نتيجة لتصاعد أعمدة الدّخان في سماء القطاع بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي بالمتفجرات وكل اشكال الأسلحة المحرّمة دوليا بما فيها الفسفور الأبيض.
وهنا أتحدّث عن ازدواجية المعايير الأمريكية والأوروبية في علاقاتها الخارجية والتعامل مع الأحداث الدموية في أجزاء واسعة من العالم. فبينما نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين يدعمون أوكرانيا لوجستيا وعسكريا واقتصاديا, ويسارعون بتوفير ممرات آمنة للنازحين ويستقبلون اللاجئين الأوكرانيين في الفنادق الفخمة, إلا أن كل هذه الخدمات الإنسانية والفزعة الغربية البطولية لحلف الأطلسي تجاه الشعب الأوكراني تغيب تماما عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني في الأراضي العربية المحتلة.
وعلاوة على ذلك, وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية, يغض التحالف الغربي الطرف عما تقوم به دولة الكيان المحتل من اعتداءات سافرة ضد المدنيين الأبرياء, بل تصرّح الدول الغربية دونما خجل بدعمها ومساندتها لإسرائيل في كل مرة تشن إسرائيل العدوان على الفلسطينيين المدنيين بغض النظر عن كل المبادئ والأعراف السياسية والقرارات الأممية التي تنص على حماية المدنيين, وتوفير ممرات آمنة لإيصال الخدمات الإنسانية كالغذاء والدواء ونقل الجرحى والمصابين إلى المراكز الطبية مثلما يحدث في كل الحروب النزيهة. ومن هذا المنبر الصحفي أتساءل واقول لماذا لا تطبق أمريكا ما كانت تتحدث عنه سابقا من ضرورة حل الدولتين ووقف الاستيطان وإدانة اقتحام باحات المسجد الأقصى وما إلى ذلك من تصريحات سياسية ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها مجرد تصريحات زائفة لا تعكس حقيقة الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية ولا تنسجم مع قرارات الأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين ولا تتفق مع مبادرات السلام وميثاق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين, في حين يؤيد كل أحرار العالم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستعادة أرضه المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لحدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
ليس لأنها تغض الطرف عمّا يجري من انتهاكات إسرائيلية فحسب, بل لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعلن كذلك عن تحريك حاملة الطائرات من البحر الأبيض المتوسط لمساعدة إسرائيل بالمعدّات العسكرية وأنظمة القبة الحديدية وغير ذلك من أشكال المساعدات العسكرية الأخرى رغم علمها بأن إسرائيل تسعى لحدوث إبادة جماعية في فلسطين المحتلة.
وبدلا من أرسال الأدوية والمساعدات الإنسانية الأخرى, أعلنت الحكومة البريطانية كذلك أنها سترسل سفينتين تابعتين للبحرية الملكية وطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لدعم إسرائيل وتعزيز الأمن الإقليمي ومنع أي تصعيد خلال الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية وفقا لما ذكرته مصادر غعلامية. وهنا أتساءل إن كانت هذه السفن تحمل مساعدات عاجلة لإسرائيل أم تحمل لنا شرقا أوسطا جديدا!
عموما ليس من الغريب أن تنتهج بعض دول أوروبا وأمريكا سياسة المعايير المزدوجة إذ لم نشاهد خلال فترة القصف الإسرائيلي العشوائي على قطاع غزة عام 2014 أي ردود أفعال أو تصريحات أوروبية وأمريكية مماثلة لذات الرّدود والتصريحات حول أوكرانيا عندما قامت إسرائيل بقتل المدنيين في فلسطين وتهجير الآلاف من قراهم داخل الخط الأخضر رغم مناشدات المنظّمات الإنسانية الدولية آنذاك بوقف إطلاق النار على سكان القطاع المحاصر, ناهيك عن غياب إرسال المعونات لهم في تلك الظروف القاسية أو تقديم تبرّعات مالية لإعمار القطاع الذي دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية أو على الأقل لإعادة بناء منازل الفلسطينيين الذين دمّرت جرّافات الجيش الإسرائيلي منازلهم في حي الشيخ جرّاح.
من هنا ينبع التساؤل عمّا هو الفرق بين اللاجئين العرب والأفارقة وبين نظرائهم من النازحين الأوكرانيين المُدلّلين الذين سمحت لهم السلطات في دول الجوار الأوروبية باصطحاب وإيواء حتى كلابهم المُدلّلة, وتوفير كل الخدمات الإنسانية والحيوانية, مثلما رأينا على شاشات التلفزة أثناء عبور اللاجئين الأوكرانيين حدود دول أوروبا الشرقية عندما التقطت كاميرات مراسلي وكالات الأنباء صورا لفتيات أوكرانيات جميلات, وهنّ يصطحبن معهنّ كلابا صغيرة, ولم يكن يبدو عليهن - خلال النزول من الحافلات الفاخرة أو الانتظار عند نقاط التفتيش - مشقّة النزوح وتكبّد معاناة السفر في مشهد يوحي بكرم الوفادة الأوروبية وحسن الاستقبال وكرم الضيافة والرعاية كما ذكرت في مقال سابق بعنوان «اللاجئون الأوكرانيون».
أتساءل من هذا المنبر عن سبب العمل بهذه المعايير المزدوجة في التعامل مع حالات النازحين والمحاصرين, كما أتساءل عن سبب التمييز والازدواجية في التعامل بين شعوب الشرق الأوسط وإفريقيا وبين الشعب الأوكراني الذي استقبلته أوروبا بالورود والزهور والأحضان, في حين تؤيد هذه الدول قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والدواء عن أهالي قطاع غزة المحاصرين - على مرأى من العالم أجمع - في منازل دمرتها القذائف الصاروخية الإسرائيلية.
يقول الشاعر عمر أبو ريشة:
ألإسرائيل تعلو راية
في حمى المهد وظل الحرمِ؟!
ربّ وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتّمِ
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصمِ
أيها الجندي يا كبش الفداء
يا شعاع الأمل المبتسمِ
بورك الجرح الذي تحمله
شرفاً تحت ظلال العلمِ