م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. قطاعات الدولة كافة موجهة لتحقيق مستهدفات «رؤية السعودية 2030»، والرؤية موجهة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تنويع مصادر الدخل والمنافسة في كافة القطاعات التنموية.. وكلنا يعلم أن الاقتصاد المزدهر لن يتحقق إلا بوطن طموح ومجتمع حيوي ذي هوية وطنية دافعة ومحفزة.. وهي مهمة كبيرة ولا أقول مستحيلة في مجتمع يعاني من موروث ثقافي تجاوزه العصر في معظم مكوناته.. ثقافة تصلح لزمن القبيلة لا زمن الدولة، ثقافة شكّلها شح الموارد وضعف الأمن، وشاعت فيه مجموعة من القيم والمبادئ والمفاهيم التي كانت مطلوبة للعيش في حينها.. فالشجاعة كانت مربوطة بالذراع لا بالعقل، والكرم مربوط بالغذاء لا بالعطاء، والقوة تتمثل في إخافة المحيط لا حمايته، والاستقلالية تعني الأنانية لا التكامل والتعاون، والشرف مربوط بالعفة لا بالأخلاق الإنسانية، والصناعة عار والصناع وأصحاب المهن المتواضعة منبوذون اجتماعياً، والحذر يعني الشك في كل جديد مستحدث مهما كان مفيداً ونافعاً، حتى وإن كان يريد إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
2. إن عمق وترسخ تلك الثقافة يظهر جلياً في تعامل الناس وسلوكياتهم في الأفراح والأتراح، في الشوارع والمجالس، في البيوت والمكاتب، بل ويظهر في الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي، إنها الثقافة ذلك الموجه الكبير والخطير والمهيمن.. فكيف إذاً سوف تُحْدث الرؤية التأثير، وكيف نحقق التطوير المستهدف؟ وكيف يسهم أفراد مجتمع هذه ثقافته التي نشأ عليها وتشربها حتى أصبحت مقدسة لديه، وأصبح المَسُّ بها هو مسّاً بالشخصية والدين والمجتمع والدولة, مجتمع حَوَّل الثقافة من شيء صنعناه إلى شيء يصنعنا ويصنع مستقبل أبنائنا ويشكل الأجيال اللاحقة.
3. هناك مجالات ذات أثر شامل على كافة مناحي التنمية، ومن ذلك الأمن، والتعليم والتدريب، والمال والتمويل، والبنى التحتية، والثقافة.. ولذلك أولت الدولة رعاها الله هذه المجالات اهتماماً بالغاً، وعَهِدت بهذه المهام لأعلى الصيغ الهيكلية بالدولة وهي الوزارات.. فالأمن وهو العامل الأهم فى تقدم الأمم ورقيها لكونه يبعث الطمأنينة فى النفوس ويشكل حافزاً للعمل والإبداع والاستقرار والحفاظ على الهوية الوطنية أولت مسؤوليته لوزارة الداخلية.. والمال وهو عصب الاقتصاد لوزارة المالية، والتمويل وهو أكسجين الشركات والمشاريع لوزارة الاستثمار، والبنى التحتية للعديد من الوزارات مثل وزارة البلدية والشؤون القروية والإسكان، ووزارة النقل، ووزارة التقنية والاتصالات وغيرها، أما التعليم وهو ذو صلة كبيرة بالثقافة فأولته الدولة لوزارة التعليم.. وقد حققت هذه الوزارات نجاحات كبيرة ومبهرة فيما أنيط بها من مهام.. ولأهمية الثقافة في تشكيل هوية المواطن الوطنية وفي إطار تطوير هياكل الدولة لتنهض بدورها الهام والحيوي في تحقيق مستهدفات الرؤية، تم تأسيس وزارة الثقافة عام (2018م).
4. واليوم نحن أمام مرحلة جديدة تستدعي ترسيخ ثقافة الكفاءة والإنتاجية والتنافسية والإرادة العالية في مواجهة العوائق والتحديات، وترسيخ قيم العطاء والولاء والوفاء والإتقان والتعاون والالتزام والانضباط والاصرار، وتستدعي ترسيخ مفاهيم الوطنية والعمل بروح الفريق الواحد والأمان الوظيفي المستمد من المعارف والمهارات والخبرات، ونبذ الكثير من القيم والمبادئ السلبية والمفاهيم الخاطئة المعيقة.. لذلك فإن وزارة الثقافة - المناط بها مهمة فكرية طويلة الأجل - تنوء بحمل ثقيل وهام وحيوي وذي تأثير شامل وبالغ في التنمية بكافة مجالاتها.. خصوصاً وأن أثر الخطط الثقافية لا يظهر إلا بعد أمد طويل.
5. وزارة الثقافة اليوم هي المسؤولة عن تشكيل مفاهيم مجتمعية جديدة لتحل محل مفاهيم استقرت في أذهان أفراد المجتمع عبر أجيال امتدت قروناً.. مفاهيم مَسَّت الخصائص الروحية، والعاطفية، والمادية، والفكرية، حتى أصبحت من السمات الشخصية للفرد السعودي.. وزارة الثقافة مسؤولة عن إعادة بناء مفاهيم وأفكار وتوجهات في مجالات الفنون والآداب والترفيه والإبداع بأشكاله، حتى مجالات الطهي واللباس وأساليب التفكير، ونَظْم القيم والعادات والتقاليد والمعتقدات.. إنها مطالبة بإعادة تشكيل الهوية السعودية، ويا لها من مهمة كبيرة وخطيرة.
6. دور وزارة الثقافة دور حيوي يمس توجيه الدوافع الداخلية للفرد السعودي للمشاركة في تسريع عجلة التنمية الشاملة المستدامة وتحقيق مستهدفات «رؤية السعودية 2030».. وزارة الثقافة مناط بها بناء الشخصية الوطنية التنموية للفرد السعودي.. وكلنا ثقة بوزيرها الشاب أن ينقلنا ثقافياً نقلات نوعية يلمسها الجميع لاسيما أصحاب العمل، ليلمسوا التحول الإيجابي في ثقافة العمل حتى يكون الموظف السعودي متميزاً معرفياً ومهارياً وثقافياً.