فهد عبدالعزيز الكليب
إن تناول شخصية الإمام عبدالرحمن الفيصل بن تركى آل سعود - يرحمه الله - بالبحث والدراسة هو باب لم يطرقه الكثير من الباحثين والمؤرخين، وتلك الشخصية لعبت دورًا كبيرًا في صفحات التاريخ السعودي وخاصة في المرحلة العصيبة التي حدث بها النزاع بين أبناء الإمام فيصل بن تركي مما أدى إلى نهاية الدولة السعودية في دورها الثاني، وتشاء إرادة الله أن يتحمل أصغر أبناء الإمام فيصل وهو الإمام عبدالرحمن تبعات هذه المرحلة وما مر بها من أحداث وصراعات وتقلبات إذ انبرى وقام بمحاولات عديدة لإنقاذها من السقوط رغم قدراته وإمكاناته المحدودة، إلا أن الإصلاح بين إخوته كان نهجه الذي بدأ به وحاول إقناعهم بشتى الطرق لما تحمله شخصيته من قبول وحنكة، ورزانة، وحسن تدبير للأمور، وكان يحمل في وجدانه همَّ دولته وأمنها واستقرار الأوضاع بها إلا أن الفتن واشتداد الخلاف وقلة الأنصار وتراكم الظروف حالت دون ذلك.
عرف الإمام عبدالرحمن الفيصل بالشجاعة والجسارة والجرأة والصبر والتجلد عند الملمات، وكانت له شخصية قيادية فذة، ورأي سديد، وحكمة بالغة فكانت له أعمال وأدوار مهمة يجب أن تسجل في صفحات التاريخ السعودي، وأن ينصف كرجل دولة ومرحلة وأن تكتب سيرته كرمز من رموز الأئمة من آل سعود لتعرفهم الأجيال تلو الأجيال من أبناء هذا الوطن وأحفاده ولو قمنا بإحصاء الأعمال الجليلة القدر التي قام بها لكفاه عزًّا وفخرًا أن خرج من صلبه البطل الهمام الموحد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذي وحّد لنا هذا الكيان العظيم، المملكة العربية السعودية وجمعنا على كلمة التوحيد الخالدة لننعم بنعمة الأمن والاستقرار والرخاء، وهو من تجرع معه ألم ومعاناة الغربة والشتات الزمانية والمكانية والبُعد عن تراب أرض الوطن حتى كان إلى جانب ابنه عبدالعزيز بعد الرضا التام عنه مؤيدًا ومؤازرًا ونصيرًا ومحفزًا، ويشاء الله ألا يموت الإمام عبدالرحمن في العام1346هـ/1928م، إلابعد أن رأت عيناه ملك ابنه يمتد إلى أبعد مدى عندئذ] غمضت عيناه إلى مثواه الأخير قريرة راضية مطمئنة بعد قصة من الكفاح والبر والصلة للملك عبدالعزيز مع والده الإمام والذي حزن عليه كثيرًا كيف لا؟ وهى الشخصية - أي الإمام عبدالرحمن- التي احتفت بالكثير من المناقب والمحاسن والمآثر.
ولمحدودية أسطر المقال سوف أستعرض أبرز بعض أعماله التي قام بها الإمام عبدالرحمن الفيصل:
1- قام بعملية الإصلاح بين إخوته لإنقاذ الدولة السعودية الثانية من أوضاعها، على الرغم من قلة الإمكانات والأعوان.
2- برزت للإمام أدوارٌ مهمة في حياة الأسرة السعودية وكان دوره البداية الحقيقية لتأهيل الملك عبدالعزيز وبروزه الأول، حيث وعى عبدالعزيز تجربة والده الإمام، وقرأ أفكاره، وعاش تجربته، وحمل معه همه وحزنه وغربته، حيث كان والده الإمام دينًا وشيخًا وقورًا مهيبًا، وإمامًا مخلصًا لعقيدته، صبورًا جلدًا لا تلين له قناة.
3- أهّل ابنه الملك عبدالعزيز وفي سن مبكرة، واصطحبه معه لأكثر المجالس وكان أحد أعضاء وفد أبيه للتفاوض مع محمد بن رشيد عام 1307هـ (1889م).
4- قام بمفاوضة العثمانيين ومقابلة الوالي العثماني مدحت باشا في بغداد، إذ كان مفاوضًا محنكًا وحكيمًا شجاعًا، إذ كانت لديه الرغبة في حل وتسوية الأوضاع الداخلية للدولة.
5- كانت حياته الطويلة محفوفة بالمخاطر والمغامرات والفتن والمعارك التي خاضها والتي من الصعوبة ذكرها في مثل هذا المقال الموجز، إلا أنه عرف بالثبات والصبر والتجلد والعزيمة والإرادة النافذة.
6- كان الإمام يجل ويقدر علماء نجد في عصره ويوقرهم وينُزلهم منازلهم ومنهم سماحة الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، مفتي الدولة ورئيس القضاة، وكان ينتهي عند رأيه، ويأخذ بمشورته، وكان لايناديه إلا بشيخي.
7- بويع بالإمامة بعد وفاة أخيه سعود لأول مرة والتف كبار أسرة آل سعود وأهل الحل والعقد والعلماء لمبايعته في الرياض في ذي الحجة من عام 1291م.
8- ذاق مرارة الغربة هو وعائلته وابنه الملك عبدالعزيز متنقلًا في مجاهل الصحراء، ووعورتها ورمضائها، مدركًا صعوبة الحياة بها حتى استقر به المقام بالكويت منذ منتصف عام1310هـ(1892م) وكان ابنه الملك عبدالعزيز لا يزيد عمره عن سبعة عشر عامًا.
9- الإذن لابنه الملك عبدالعزيز للمضي والإقدام على استعادة ملك آبائه وأجداده واسترداد الرياض للمرة الأولى والثانية عام 1318-1319هـ إذ كان لتوسط والدته الأميرة سارة بنت أحمد السديري بعدما ألح عليها الملك عبدالعزيز فوافق الإمام عبدالرحمن متململًا عندما رأى تصميم وإصرار ابنه عبدالعزيز فكان له ما أراد عندما استرد الرياض عام1319هـ(1901م).
10- تنازله عن الحكم لابنه الملك عبدالعزيز بعد أن تنازل الابن لأبيه الإمام بداية بعد استرداده للرياض في الجامع الكبير برًّا وخفض جناح، إلا أن والده الإمام بايعه فقبل عبدالعزيز شريطة أن تكون المشورة والرأي في معالي الأمور لوالده الإمام عبدالرحمن.
11- عمل مستشارًا لأخيه الإمام عبدالله بن فيصل وظهيرًا له بعد أن تولى الحكم للمرة الثانية، فكان يستشيره في الكثير من الأمور المتعلقة بالدولة وشؤونها الداخلية والخارجية.
12- تولى الإمام عبدالرحمن إمارة الرياض، والعارض، والمحمل، والشعيب وبلدان الجنوب.
13- كانت لديه معرفة وعلاقات وطيدة برؤساء القبائل وأمراء الأقاليم ورجال البادية، وحتى خصومه أصبحوا من أتباعه حيث منحهم ثقته ولمن يظهر حسن النوايا منهم.
14- حافظ الإمام عبدالرحمن على لقب (الإمام) باعتباره شعار النظام الإسلامي، ومهمته الحفاظ على المكتسبات الدينية، وإقامة الشريعة الإسلامية، وتدبير شؤون الرعية.
15- كما حافظ على نظام ولاية العهد المتبع في الدولة السعودية الأولى، وأن يكون وفق النظام الوراثي للابن الأكبر من أولاد الإمام، وتخويله الإنابة عنه أثناء غيابه أو مرضه.
16-كان أول من خصص يومًا للاجتماع بالعلماء والقضاة الذين عاصروه في قصره بالرياض حيث خصص يوم الخميس من كل أسبوع لاستقبالهم والالتقاء بهم، ومنهم : الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ محمد بن إبراهيم بن عجلان، والشيخ عبدالعزيز بن شلوان.
-الولادة: ولد الإمام عبدالرحمن في قصر الحكم في مدينة الرياض عام 1267هـ/1851م
-والده: الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله.
-والدته: الأميرة سارة بنت مشاري بن عبدالرحمن بن حسن بن مشاري بن سعود تلتقي مع أبيها الإمام في النسب في الأمير محمد بن سعود بن مقرن الذي تنتسب إليه الأسرة السعودية المالكة.
-جده: الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الثانية.
-والد جّده: الأمير عبدالله بن الإمام محمد بن سعود.
-جدّ جدّه: الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى الذي ناصر الدعوة السلفية.
-أبناؤه: وعددهم (25) ما بين ذكر وأنثى والأمراء هم: فيصل وهو أسنهم وبه يكنى، خالد، فهد، الملك عبدالعزيز، محمد، سعود، وعبدالمحسن، وعبدالله، وأحمد، ومساعد وزير المالية والاقتصاد الوطني.
-بناته: الأميرات : نورة شقيقة الملك عبدالعزيز وبها ينتخي (أنا أخو نورة) وأحيانًا (انا أخو الأنوار) وهى السيدة الأولى في أسرته وفي القصر وبلا منازع لما تتحلى به من عقل راجح، وحسن تدبير للأمور، هيا، ومنيرة، وسارة، ولطيفة، وشريفة، وشاهة، وشيخة.
-إخوته: الأمراء الإمام فيصل، ومحمد، وسعود.
أخواته: الأميرات نورة، والجوهرة، وطرفة.
-سكنه: ولد الإمام عبدالرحمن في قصر الحكم وبه نشأ ثم بعد استرداد الرياض اختار له الملك عبدالعزيز بيتًا كبيرًا يعرف ببيت الإمام ويطلق عليه أيضًا بيت (النفيسي) ويقع في قلب مدينة الرياض داخل السور في منطقة (الخان) في الجزء الشمالي، ويطل على شارع الثميري وقصر المصمك وكان الملك عبدالعزيز يزوره صباح كل يوم ويقبل رأسه، ويلثم يده، قبل أن يذهب لقصر الحكم لإدارة شؤون رعيته والدولة.
-وفاته: توفى الإمام عبدالرحمن فجر يوم الجمعة 13من ذي الحجة عام1346هـ، الموافق الاول من يونيو(1928م) عن عمر ناهز (الثمانين) عامًا، منها عاش سبعة وعشرين عامًا إمامًا في حكم ابنه الملك عبدالعزيز كلها عز وسؤدد وطمأنينة ضرب خلالها الملك عبدالعزيز أروع الأمثلة صلة وبرًّا ورحمة وخفض جناح مع والده الإمام حتى أغمض عينيه راضيًا مرضيًا مطمئنًا، رحم الله الإمام عبدالرحمن وابنه المؤسس الملك عبدالعزيز رحمة واسعة، هذا وصُلي عليه في الجامع الكبير ودفن في مقبرة العود، وحري أن تكتب سيرة الإمام عبدالرحمن وأن يتناولها الباحثون والمؤرخون بالدراسة ويستجلون تاريخها وأعمالها ومناقبها.