سارا القرني
يُحكى أنّ رجلاً يعيش في قريةٍ لكنه أتعس شخص على وجه الأرض، إذ كان دائم التذمر والشكوى.. حتى أنّ كلّ سكان القرية سئموا منه، لأنه محبطٌ على الدوام، لا يتوقّف عن التذمر ولم يكن يمرّ يوم دون أن تراه في مزاج سيء.
وكلّما تقدّم به السنّ، ازداد كلامه سوءًا وسلبية.
كان سكّان القرية يتجنّبونه قدر الإمكان، فسوء مزاجه وتذمره أصبح مُعديًا.
ويستحيل أن يحافظ أيّ شخص على سعادته بالقرب منه.
إذ كان ينشر مشاعر الحزن والتعاسة لكلّ من حوله.
وفي أحد الأيام وحينما بلغ الرجل من العمر سبعين عامًا، حدث شيء غريب، وبدأت إشاعة عجيبة في الانتشار: «الرجل المسن سعيد اليوم، إنه لا يتذمّر من شيء، والابتسامة ترتسم على محيّاه، بل إن ملامح وجهه قد أشرقت وتغيّرت». تجمّع سكان القرية عند منزل الرجل المسن، وبادره أحدهم بالسؤال: «ما الذي حدث لك؟» فأجاب الرجل: «لا شيء مهمًّا، فقط توقفت عن التذمر.
لأني قضيتُ 70 عامًا أبحث عن السعادة فيما لا أملك.
فقرّرت بعدها أن أعيش دون تذمر، وأن أستمتع بحياتي كما هي وحسب، لهذا السبب أنا سعيد الآن!» ما هي السعادة؟ هي تلك الحالة التي يتمتع بها الإنسان عندما يشعر بالسرور والرضا والنجاح في حياته.
إنها ليست قابلة للشراء..
بل تجربة شخصية وفريدة لكل فرد، بدلاً من أن تكون مرتبطة بالمال أو الأشياء المادية، فإن السعادة تجتاح القلب وتستند إلى صفاء الروح والاستمتاع بما نملك ونحب.
في القرون القديمة، استوحى الفلاسفة والمفكرون في جميع أنحاء العالم طرقاً مختلفة لتعريف السعادة وتحقيقها، فقد رأى الفيلسوف الإغريقي أرسطو «إن السعادة هي الهدف الأعلى للحياة والغاية التي نسعى إليها جميعًا»، وأشار إلى أن السعادة تنبع من أفعالنا وأخلاقنا الحسنة، وبحسب الفيلسوف الروماني سينيكا «السعادة لا تكمن في متع الجسد وإنما في قوة النفس وصحة الروح».
قد يرى البعض أن الثروة والأشياء الفاخرة هي منبع السعادة، ولكن المفكرون يختلفون في ذلك، فقد قال الفيلسوف الفرنسي فولتير، «السعادة لا تأتي من امتلاك ثروة، بل من عدم الاعتماد عليها»، مشيرًا إلى أن الاستقرار الداخلي وقبول الذات هما السبيل إلى السعادة الحقيقية.
وهنا نقف لحظة ونفكر في لحظات السعادة الحقيقية في حياتنا..
ربما كانت ذلك الشعور الدافئ الذي يملأ قلوبنا عند لقاء أصدقائنا المقربين، أو الضحك الصادق الذي يتراقص على شفتينا أثناء مسامرة شخصٍ مفضل لدينا، أو الشعور بالسكينة والارتياح عندما نقدم العون والمساعدة للآخرين.
السعادة تأتي من تقدير اللحظات الصغيرة في الحياة، والتركيز على الجوانب الإيجابية، والتواصل الجيد مع الآخرين، والعيش بتوازن وسط التحديات التي تواجهنا.
فلنتوقف عن السعي وراء المادة والثروة، ولنبحث عن السعادة في أعماقنا وفيما حولنا، كما قال الفيلسوف الصيني لاو تزو «السعادة ليست في تملك كل شيء، بل في عدم رغبة شيء».
فلنستمتع باللحظات الصغيرة ولنكن شاكرين على ما نملك، فالسعادة الحقيقية تكمن في صفاء الروح ورضا القلب.