رضا إبراهيم
نستكمل الحديث حول التخلّص من النفايات النووية، لنؤكِّد على أنه من العجيب وجود أساليب للتخلّص من النفايات النووية، بإخراجها في الفضاء الخارجي، وفيها يتم تغليف النفايات بحيث يرجح أن تظل سليمة في ظل معظم سيناريوهات الحوادث السيئة الأخرى، باستخدام صاروخ أو مكوك فضائي لإطلاق النفايات المعبأة في الفضاء، مع وجود العديد من الوجهات النهائية للنفايات التي تم أخذها بالاعتبار مثل توجيهها إلى الشمس.
وحول التكلفة المرتفعة للتخلّص من النفايات بتلك الطريقة، فيمكن أن تكون مناسبة فقط للقيام بعملية فصل لأي مادة مشعة طويلة العمر وصغيرة الحجم نسبياً بدل الوقود المستهلك، وفي الولايات المتحدة قامت وكالة (ناسا) الفضائية، بالتحقيق في تلك المسألة أواخر السبعينيات، لكن بسبب التكلفة العالية لتلك الطريقة وجوانب السلامة، التي قد ترتبط بخطر فشل الإطلاق، تم التخلي عن ذلك الخيار تماماً.
بينما يتضمن التخلص من النفايات المشعة في البحر، بإلقاء النفايات المشعة بالبحر عقب وضعها داخل عبوات مصممة، بهدف أن تنفجر من الداخل في أعماق المياه، ما يؤدي إلى إطلاق وانتشار مباشر للمواد المشعة في البحر، أو بإغراقها بقاع البحر وهي سليمة.
لكن مع مرور الوقت قد يفشل الاحتواء المادي للحاويات وتنتشر «النويدات المشعة» المتبقية وتُخفف في البحر، وقد يحدث مزيد من التخفيف بانتقال النويدات المشعة من موقع التخلّص، وهي محمولة بواسطة التيارات، حيث يتم تقليل كمية النويدات المشعة المتبقية بمياه البحر بشكل أكبر، عبر التحلّل الإشعاعي الطبيعي، وعبر إزالة النويدات المشعة إلى رواسب قاع البحر من خلال عملية الامتصاص.
وتجدر الإشارة إلى وجود عدة اتفاقيات دولية، تمنع الدول من استخدام هذه الطريقة، خشية تلويث مياه البحار وقتل كل ما بها من كائنات، ومع تطور تطبيق التخلّص البحري من النفايات مع مرور الوقت، من كونه طريقة التخلّص التي تم تنفيذها بالفعل من قبل عدد من الدول، إلى طريقة محظورة الآن بموجب الاتفاقيات الدولية، يجب ذكر أن الدول التي قامت أحيانا بالتخلص منها في البحر باستخدام التقنيات السابق ذكرها، تشمل بريطانيا والولايات المتحدة وسويسرا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والسويد واليابان وكوريا الجنوبية، وحول استخدام أسلوب التخلص بقاع البحر، ففيه يتم دفن حاويات النفايات المشعة ببيئة جيولوجية مناسبة تحت قاع المحيط، لدفن كل أنواع النفايات الثلاث الخطيرة جداً والمتوسطة ومحدودة الخطورة.
كما تشمل الاختلافات بهذا الأسلوب إنشاء مستودع يقع تحت قاع المحيط، على أن يتم الوصول للمستودع من الشواطئ القريبة، أو من جزيرة صغيرة غير مأهولة أو عبر منشأة بحرية، بجانب دفن النفايات المشعة برواسب أعماق المحيطات، وحتى الآن لم يتم تنفيذ التخلّص من النفايات بقاع البحر بأي مكان، لعدم سماح الاتفاقيات الدولية بذلك، لكن تم النظر بالتخلّص من النفايات النووية المشعة بمستودع تم إنشاؤه تحت قاع البحر من قبل بريطانيا والسويد.
وبالمقارنة مع التخلّص برواسب أعماق المحيطات، إذا كان من المرغوب فيه يمكن تطوير مفهوم تصميم المستودع، لضمان استمرار إمكانية استرجاع النفايات مستقبلا، كما أن رصد النفايات بمثل هذا المستودع، قد يصبح أقل إشكالية من الوسائل الأخرى للتخلص البحري، على أنه يمكن تنفيذ دفن النفايات المشعة برواسب أعماق المحيطات عبر طريقتين مختلفتين، أحدهما المخترقات أو التنقيب عن المعادن، حيث يمكن أن يختلف عمق دفن حاويات النفايات أسفل قاع البحر بين كلتا الطريقتين.
ففي حالة الاختراق أي الدفع بقوة، يمكن وضع الحاويات التي بها النفايات على بعد (50) متر بالرواسب، ثم تسقط المخترقات التي تزن بضعة أطنان في الماء، وتكتسب زخماً كافياً لتغرس نفسها بأعماق الرواسب، كما يتمثَّل أحد الجوانب الرئيسية للتخلّص من النفايات في رواسب قاع البحر، عبر عزل النفايات عن قاع البحر من خلال سمك الرواسب، وقد تم الحصول على نتائج إيجابية بخصوص تلك الطريقة، أثناء التجارب التي أجريت عليها، وهي على عمق مياه بلغ نحو (250) متراً بمياه البحر الأبيض المتوسط عام 1986م.
وبالوقت نفسه يمكن أيضاً وضع النفايات النووية لمدة (30) عاماً تقريباً، باستخدام معدات الحفر كأساس للتقنيات المستخدمة بأعماق البحار، وبتلك الطريقة يتم وضع أكوام من النفايات المعبأة في حفر بعمق (800) متر تحت قاع البحر، مع الحاوية العلوية على بعد نحو (300) تحت القاع، وفي الثمانينيات من القرن الماضي، تم التحقيق بجدوى التخلص من النفايات النووية عالية الخطورة برواسب أعماق المحيطات، والإبلاغ عنها من قبل منظمة (التعاون الاقتصادي والتنمية)، وبخصوص ذلك المفهوم، سوف تعبأ النفايات المشعة بحاويات أو زجاج مقاوم للتآكل.
والتي ستوضع تحت أعماق لا تقل عن (4) آلاف متر من الماء بجيولوجيا قاع البحار العميقة المستقرة، وتختار تلك الأعماق بعناية كبيرة لكل من نواحي تدفق المياه البطيء وقدرتها على تأخير حركة النويدات المشعة، وهذه النويدات التي يتم نقلها عبر الوسائط الجيولوجية، والتي قد تظهر بقاع مياه البحر، سوف تكون خاضعة فيما بعد لنفس عمليات التخفيف والتشتت والانتشار والامتصاص، التي تؤثر على النفايات المشعة، التي يتم التخلص منها في البحر، ما يعني أن توفر تلك الطريقة للتخلص من النفايات، يمكنها أن توفر احتواء إضافي للنويدات المشعة، حالة مقارنتها بالتخلّص من النفايات بصورة مباشرة بقاع البحر.
وبالحديث عن التخلّص من النفايات النووية عبر المستودعات الملغومة، فذلك المفهوم كان محور معظم الجهود الدولية حتى الآن، إذ تم اعتبار التخلّص من النفايات بالآبار العميقة، كان خياراً للعزل الجيولوجي لسنوات عديدة، بما فيها التقييمات الأصلية من قبل «الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم» وذلك عام 1957م، كما يُعد ذلك من المفاهيم الحديثة للتقييمات، وعلى عكس التفكير الحديث حول المستودعات الملغومة، لن تكون هذه المحتويات قابلة للاسترجاع مرة أخرى.
ويتكون المفهوم من حفر بئر بصخور الطابق السفلي إلى عمق يصل إلى نحو (5000) متر، مع وضع حاويات نفايات تحتوي على وقود نووي مستعمل، أو نفايات مشعة مزججة من إعادة المعالجة بآخر الـ (2000) متر بمنطقة البئر السفلي، وإغلاق المنطقة العليا من البئر أي الـ (3000) متر العلوي من الحفرة، باستخدام لدائن ومواد مخصصة مثل «البنتونيت أو الأسفلت أو الخرسانة».
ما يعني أن كل منطقة التخلص من بئر واحد، يمكنها أن تحتوي على (400) عبوة فولاذية، طول كل منها (5) أمتار وقطرها من ثلث إلى نصف متر، على أن يتم فصل حاويات النفايات عن بعضها البعض، بطبقة من البنتونيت أو الإسمنت شديد الصلابة والمخصص لتلك المهام، ويمكن حفر الآبار بطريقة سهلة وعلى أبعاد من الشاطئ، أو على اليابسة بالصخور المضيفة البلورية والرسوبية، وهذه الطريقة تعمل على توسيع نطاق المواقع، التي تعتبر مهمة جداً للتخلص من النفايات المشعة.
وبالحديث عن مفهوم التخلّص التدريجي من النفايات النووية، قليلة الخطورة ومتوسطة الخطورة، فقد جرى تطوير ذلك المفهوم المعروف بـ (التخلّص الجيولوجي المرحلي) ببريطانيا، لزوم التخلّص من الأحجام الكبيرة نسبياً من النفايات، على أن يتم وضعها دوماً عقب تثبيتها بحاويات من الفولاذ المقاوم للصدأ، ثم وضع هذه الحاويات في مستودعات ببيئة صخرية مضيفة أسفل منسوب المياه الجوفية.
على أن يتم مراقبة النفايات، لتبقى قابلة للاسترداد، وإدارة المياه الجوفية لمنع الوصول للنفايات، حتى يحين الوقت الذي يتم فيه إغلاق المستودع، وبالوقت المناسب تُحاط أي (تُردم) النفايات بطبقة أسمنت مُركب خصيصاً ويُسمح للمستودع بإعادة التشبع، ومادة الإسمنت هذه يمكنها توفير بيئة قلوية طويلة الأمد، تساعد على احتواء النفايات، عبر منع العديد من النويدات المشعة من الذوبان بالمياه الجوفية.
وسرعان ما قدمت اقتراحات لمخططات مشابهة، يقوم أساسها على استخدام مادة الإسمنت للتخلص من النفايات النووية عالية الخطورة بعدة دول أهمها «سويسرا والسويد وفرنسا واليابان»، وحول التخلص من النفايات النووية من خلال إنشاء مستودعات متعددة الجنسيات أو إقليمية تقع بدولة ما مضيفة، يكون لديها الرغبة بقبول النفايات من عدة دول، فذلك اعتبر اقتراحاً آخراً من بين عدة اقتراحات.
وعلى سبيل المثال يمكن أن يشمل استخدام الآخرين لمستودع وطني يعمل داخل دولة مضيفة، أو منشأة دولية بالكامل مملوكة لشركة خاصة تديرها عدة دول أو حتى منظمة دولية، لكن حتى الآن هناك حالة من الضبابية تتمثل بتشكك أو عدم قبول العديد من الدول دفن النفايات النووية، التي تخص دول أخرى بأراضيها، خشية وقوعها تحت طائلة من الإشكالات وحالات الرفض من قبل مجتمعاتها المحلية، لكن هناك بعض الدول الفقيرة جداً قد وافقت على دفن النفايات بأرضها، والتي سوف يرد الحديث عنها لاحقاً.